Friday 30/05/2014 Issue 15219 الجمعة 01 شعبان 1435 العدد
30-05-2014

المرقشان

المرقشان شاعران عاشا في الجاهلية، وشاركا في حرب البسوس التي دامت أربعين عاماً، وكثيراً ما خلط المؤرخون بين الشاعرين ولذا فسموهما المرقش الأكبر، والمرقش الأصغر، فاسمهما عمرو، فالمرقش الأكبر اسمه عمرو بن سعد بن مالك، أما المرقش الأصغر فاسمه عمرو بن حرملة بن سعد، فالمرقش الأكبر يكون عماً للمرقش الأصغر.

العرب في جاهليتهم خاضوا حربهم المشهورة، لسبب لا يستحق الدماء التي سالت من أجله، ولا المال الذي أنفق في سبيلها، لكنها كانت كبرياء الكبار التي أسقطت في أخدود نارها ذلك العدد الكبير من أبناء العمومة، وبعد ذلك كله أطفئ لهيبها بتدخل أحد صناعها، فلم يكن هناك غالب ولا مغلوب، ولو أنهم تراشقوا باللسان، ثم تدخل العقلاء، لصلح الحال، بدل التراشق بالرماح، والقتل بالسيف.

في حاضرنا كأننا نعيش حروب بسوس لا حرباً واحدة، وهي حروب كثيرة المواقع، متعددة المشارب، متباينة الأهداف، متنوعة الغايات، لكن يجمعها شيء واحد، هو حب الذات، حبها في القتل لاعتلاء الكرسي الوثير، أو فرض فكر شرير، أو حقد زواله عسير، ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بالنهاية، وكيفيتها، والجانيين ثمرتها، ولاسيما إذا كانت القوى متوازنة، والمضرمون لظاها، سعيدون برؤياها، كل يقتل جاره، فيهلل ويكبر، وكأن هذا الدعاء العظيم الجليل الكبير، لا يكون إلا في ميدان القتل، وهو أسمى وأجل وأعظم من ذلك، وما هو الفرق بين عمر وزيد، وصالح وعبيد؟ حتى وإن كان هناك، من غاية نبيلة، ومراده كريم، فإن صوته سيضيع بين الأصوات، ونبله سيقصر عن بلوغ الغايات، وسيكتفي بترك الساحة لأصحاب الألسنة الطوال، والأسنة الثقال، ولهذا فلم يغالب جاهل عالماً إلا غلبه، يغلبه بلجاجته، وإقدامه دون روية، وعدم تقيد بكثير من السمات الحميدة، التي يتحلى بها العقلاء.

في دول عربية كثيرة تم بعض البناء عبر سنين طويلة مع هدركبير بأساليب مختلفة، لكن في نهاية الأمر، أخذ البعض من عشاق الحروب يهدمون البيوت بشتى أنواع الأسلحة.

المرقش الأكبر أحب أسماء ابنة عمه عوف، مع مشاركته في الحروب، وعاش معها قصة حب صادقة مشهورة، قبل نحو من ألف وخمسمائة عام، لكن فيما يبدو أن مرقشي هذا الزمان ليس لهم من الحب الصادق نصيب، فحبهم فيما يبدو والله اعلم، للجاه، والمال والحسب، أما غير ذلك فحبهم لا يحيد عن التربع على الكرسي، والاستماتة في سبيله، حتى وإن قضي نصف الشعب أو يزيد، والآخر يتزوج زواج الجهاد من المجاهدات، وغيرها من صنوف العجائب التي ليست بالجديدة.

إنهم في ذلك النوع من الحب غير الجاد، يتشابهون في عدم جديتهم مع المرقشي الأصغر، فقد عشق هذا الشاعر فاطمة بنت المنذر عشقاً غير جاد، بل لا يستحق أن تسميه عشقاً وإنما هو بلوغ الهوى، مثله مثل أولئك الساعين للقتل في سبيل الوصول إلى المراد بأي وسيلة كانت.

ولعل من المناسب إيراد قصة المرقش الأصغر مع فاطمة بنت المنذر بشيء من الإيجاز، والترفع عن إيراد ما لا يجوز، فقد كانت فاطمة بنت المنذر تجلس فوق سطح قصرها تنظر إلى الناس، وكان لها وليدة تسمى بنت عجلان، تأخذ كل عشية رجلاً ممن يعجبها، وكان المرقشي الأصغر لا يفارق إبله، وكان له صديق أخبره بخبر بنت عجلان، فترك إبله وذهب إليها وكان جميلاً، فأخبرت الوليدة سيدتها ابنة الملك فاطمة بنت المنذر، وقد كانت رأته وراعها جماله، فزادها مدح بنت عجلان شغفاً به، فطلبته، وكان الحرس ينثرون تراباً حول منزل فاطمة، ويجرون عليه الثبان حتى لا يدخل عليها سوى بنت عجلان، وكان الحرس يخبرون الملك المنذر، فيرسل متتبعي الأثر، ويعودون ليخبروه الخبر، فلما كان في المساء، حملت بنت عجلان المرقشي على ظهرها وأدخلته دار فاطمة، وفي الصباح جاء متتبعو الأثر، وعادوا للملك وقالوا لم نر إلا آثار بنت عجلان وهي مثقلة، والقصة طويلة، لكن في نهاية الأمر، أبدل صاحبه بنفسه وانفضح أمره.

وهكذا كان المرقشي الأصغر، كاذباً في حبه، ليس له غاية إلا بلوغ الهوى، فكم من مرقشي أصغر في زماننا هذا، وكم من مرقشي أكبر؟

مقالات أخرى للكاتب