Friday 23/05/2014 Issue 15212 الجمعة 24 رجب 1435 العدد
23-05-2014

الغذاء والدين في الصين

أعيد الكتابه عن هذا الموضوع ولكن قد يكون في الإعادة إفادة، لا سيما أن الفهم مستمر، والبطون تتعاظم، والأمراض تتفاقم.

يبدو أن الصينيين قد استحسنوا الحكمة القائلة (على المرء أن يأكل ليعيش لا أن يعيش ليأكل) فطبقوها في مأكلهم منذ آلاف السنين، كما يمكن لنا القول إن بعض المعتقدات والأديان التي سادت وما زالت في الصين قد تركت أثرها على نوعية ونمط الغذاء الصيني، فالبوذية دخلت إلى الصين قبل الميلاد بنحو مائة عام، وجلبت معها الكثير من الأفكار والفلسفات، ومن ضمنها ما يتعلق بنوعية الغذاء، وأوقات تناوله، ففي الوثائق البوذية المسماة وثائق «سان زانغ» تم تحديد عشرة عوامل ذات تأثير كبير في الإصابة بالأمراض، وموت الفجأة وهي: البقاء فترة طويلة دون تناول الطعام، والإكثار من الطعام، والقلق والخوف، والإجهاد المضني، والممارسة الجنسية المبالغ فيها، والغضب والغيظ، ومدافعة الحدث الأكبر، ومدافعة البول، ومدافعة الريح الخارجة إلى الأعلى، ومدافعة الريح الخارجة إلى الأسفل.

وفي لفته أخرى حول الطعام في تلك الوثائق المسماة «تربيكا» البوذية تمت الإشارة إلى تسعة عوامل تسبب الأمراض والموت المفاجئ، منها: أكل ما لا يجب أكله، الإكثار من الطعام، الأكل بما لا يتفق مع ما اعتاد عليه المرء، إدخال الطعام على الطعام، تعمد إبقاء الطعام دون هضم.

وحوت تلك الوثائق أيضا بعض النصائح، منها: الاكتفاء بأكل منتجات كل فصل في فصله، وعدم الأكل فوق الحاجة، والأكل في ساعات محددة، وإذا كان لابد من المجاملة في أكل طعام غير مألوف فلابد أن يكون بكميات قليلة، وعدم إدخال الطعام على الطعام.

أما الكهنة البوذيون فقد ألزموا أنفسهم بكثير من القيود، منها: اقتصار الطعام أثناء النهار فقط، عدم أكل الطعام المتخمر أو الحامض، الامتناع عن أكل السمك واللحوم، عدم الحديث أثناء تناول الأرز، عدم رفع الصوت أثناء الأكل، والاقتناع بما لدى الإنسان من طعام.

وقد قسم البوذيون الناس إلى ثلاث مجموعات طبقاً لمواقفهم من الغذاء، وهم كما يلي: مجموعة الطماعين، ويلاحظ أنهم يحبون الغذاء الدسم والحلو، وهم يأكلون ببطء، ويهتمون بالمذاق، ويكونون أكثر سعادة عندما ينظرون إلى طعام مميز في آنيتهم، ومجموعة المبغضين، وهؤلاء يحبون الغذاء الخشن والحامض، ويأكلون بشراهة، ويملؤون أفواههم بالطعام دون اهتمام بالمذاق، ولا يبالون بنوعية الطعام الذي يقدم لهم، أما مجموعة المخادعين، فليس لديهم طعام مفضل، ويمكن تغيير وجهة نظرهم بسهولة.

أما تعاليم الكنفوشيسية، فهي تؤمن بأنه يمكن الحصول على صحة أفضل من خلال التمسك بالأخلاق الحميدة، والسلوك القويم، لأنها تغذي الروح بحب الآخرين، فيسود الوئام مما يجلب معه النقاء الروحي، والصحة البدنية. والأخلاق الحميدة ذاتها تجلب السعادة مما يساعد في تجنب الكثير من الأمراض، والفضائل الخمس التي يرى «كنفوشس» أهمية التمسك بها هي: العدل، السلوك المثالي، والحكم المنصف، والاستقامة، والتسامح. وهو بهذا يرى أن تهذيب النفس يجلب السعادة والطمأنينة، وهذا بدوره يساعد الجسم على الاستفادة من الغذاء الذي يتناوله الإنسان، كما يساعده على تجنب الكثير من الأمراض.

لقد سئل «كنفوشس» الفيلسوف الصيني المشهور الذي عاش خلال الفترة (551-479) قبل الميلاد عن مكائد الحروب وأساليبها فكان جوابه (حقاً لقد سمعت أمورا تتعلق باللحوم، وأحجام الأطباق التي توضع عليها، لكنني لم أتعلم الأمور الحربية)؛ كما أن «كنفوشس» نأى بنفسه عن استخدام السكين في الأكل، معللاً ذلك بأنه ليس من الأخلاق أن يستخدم الإنسان أداة قتل أخيه الإنسان في أمر نبيل مثل الأكل، ومنذ ذلك التاريخ أصبح استخدام عودي الأكل في تناول الطعام لدى الصينيين بديلاً عن السكين، واستمر استخدام هذه الأداة حتى عصرنا هذا.

مقالات أخرى للكاتب