Friday 25/04/2014 Issue 15184 الجمعة 25 جمادى الآخرة 1435 العدد
25-04-2014

محمد بن عبد الرحمن الأموي الأندلسي

كانت الأندلس مليئة بالأفذاذ، ولم يأخذ البعض منهم نصيبه من الشهرة وعلو الشأن في زماننا رغم ارتفاع ذلك الشأن في زمانه، وزمان من تلاه في الفترة القريبة اللاحقة.

ومن أولئك حاكم أموي اسمه محمد بن عبدالرحمن الأوسط، وجده هو الحكم بن هشام بن عبدالرحمن الداخل، وقد ماتت أمه وهو صغير السن واسمها « تهتز»، فتولت رعايته جارية والده، غير أنها توفيت، وكانت له رعايه خاصة من أبيه، وتولى الحكم وعمره تسع عشرة سنة، رغم محاولة جارية والده واسمها «طروب» وأعوانها مثل «نصر الحضر» إقناع الأب تولية عبدالله بن طروب رغم صغر سنه، لكنها محاولات باءت بالفشل نظراً لقربه من فؤاد أبيه وتعلق الأب بابنه.

والذي ربما لا يعرفه الكثير أن تعطيل الخدمة يوم الأحد، والتي أصبحت عادة متبعة هي من بنات أفكار رجل عاش في عصر محمد بن عبدالرحمن واسمه قومس النصراني، وهو نصراني الديانة، ويشغل كاتب رسائل الأمير محمد، فقد سن هذا الكاتب تعطيل الخدمة في يوم الأحد من كل أسبوع والتخلف عن الحضور إلى قصر الأمير، فتبعه الناس وكانت كما هي حتى يومنا هذا، والغريب في الأمر أن الناس هناك لم يلتفتوا إلى اختيار يوم الجمعة مثلاً بدلاً من يوم الأحد، وإنما استمروا على ما سنه كاتب الرسائل «قومس» واستمر الحال عند من تلا ذلك العهد من عهود بني أمية ومن بعدهم.

ومن طرائف ما وقع في عهد محمد بن عبدالرحمن أن أحد قادته واسمه «ازراق بن متيل» ، وكان على طاعة بني أمية، وكان من أجمل الناس وأكثرهم بهاء ونضارة، قد أوفده الأمير لرد أحد أعدائه واسمه «موسى بن موسى»، فلما تحرك «ازراق» لمحاربة «موسى»، والتقى الجيشان قال له موسى مشافهة «يا ازراق» لم آت لمحاربتك، وإنما أتيت لمصاهرتك، فقد نشأت لي ابنة فائقة الجمال، ليس بالأندلس أجمل منها فأردت الآن أنكحها إلا من أجمل أحداث الأندلس، وأنت هو، فأجابه «إزراق» إلى طلبه، وعقد النكاح على ابنته، وتراجع ازراق عن المنازلة، وعاد موسى إلى ثغره، وألبس ابنته أبهى الحلل، وأرسلها إلى ازراق وهو في مكانه، فدخل عليها وأمتع نفسه بها، ثم عاد إلى أميره، ودخل عليه القصر، فعنفه الأمير على فعلته، ولامه على النكوص عن حرب عدوه في سبيل الزواج من ابنة خصمه فقال له «ازراق» ما يضرك أن يكون وليك يطأ ابنة عدوك إن أمكنني أن أستئلفه بهذه المصاهرة وأعيده إلى طاعة الأمير بالحيلة، وإلا فأنا من جملة من يقاتله في طاعتك.

هذا التخريج العجيب من «إزراق» لإشباع شهوته وتزيين ذلك في عقل الأمير، وجعل فعله ذلك أحد أدوات قتال الأعداء، غير أن الأمير لم يقبل ذلك التفسير، فصد عنه فترة من الزمن ثم كساه وأعاده إلى مكانته، وفيما يبدو أنه لن يعيده إلى قيادة جيشه خشية زواجه من سيدة أخرى.

فكم «إزراق» من تلك العصور، وفي هذه العصور يفرضون شاءهم، ثم يجعلون لها مخرجاً لابد من قبوله، لأنه قد وقع ومهما ترتب عليه فإنه قد تم وانتهى الأمر.

نترك «إزراق» وحيله لتحقيق مآربه، لنتذكر اسماً مألوفاً عند الناس، وهو عباس بن فرناس، والذي قد لا يعرف البعض أنه أحد رجال الأندلس، وعاش في عهد الأمير محمد بن عبدالرحمن، وقد ربط اسمه بمحاولة الطيران والتي نجا منها، وهو بالإضافة إلى محاولته تلك قد قدم الكثير من المخترعات منها «الميقاتة» والتي أهداها إلى الأمير محمد بن عبدالرحمن وهي ساعة بدائية، وعباس رسام مميز رسم الكثير من التماثيل للأمير، وهو أيضاً مهندس، فقد غير مجرى المياه في قرطبة وحسن من انسيابها، وبالإضافة إلى ذلك كله، فقد كان مغنياً وملحناً وشاعراً.

وذات مرة كتب عباس شعراً، وصاغ لحنه، وغناه على عوده، أمام الأمير، وكتب الأبيات بالذهب على تفاحة، بعد أن طرزها ورتبها، فقال:

تفاحة مصفرة البعض

لخوفها من ألم العض

أمنتها ذاك وكتبتها

حسناً بداء من ذهب محض

وقلت فيها الحق من بعد ذا

وما لقول الحق من نقض

محمداً أكرم مستخلف

من خلفاء الله في الأرض

وهو يقصد بمحمد هنا الأمير محمد بن عبدالرحمن مادحاً إياه بهذه الأبيات التي كتبها وطرزها بالذهب الخالص على تلك التفاحة المصفرة البعض.

يا له من عصر، ويا له من شعر، ويا لها من مخترعات.

مقالات أخرى للكاتب