Friday 18/07/2014 Issue 15268 الجمعة 20 رمضان 1435 العدد

نصوص

أهوار وبضاعة

أول المرتقى: (ليتهم يرون ما أرى، ليس لأنني أمتلك الحقيقة، بل لأنني أرى الأشياء البسيطة جداً حد اقترابها من البديهة بألوانها الفطرية لا بألوانها التي حشرت في منظوري حشرا، وأصبحت بيني وبين كنه ذاتي..).

(1)

أهوار

الطعام هنا لا يكفي، والماء يشح باستمرار.. والحر قاتل..

مشاجرة مع مخالب الفضاء قد تسببت في كسر جناحي، وتناثر ريشي على اغصان شجرة برية مشوكة، عدا جروح طفيفة في الجؤجؤ..

الساقية الضحلة التي يسمونها فخرا بالنهر..

أصابت خيال اللاغطين بعطب ما، وغرقت في قعرها العاري كل آثار رحلاتنا نحو الشمال رغم أنها ليست كل ما في الأرجاء، فقد كررت الشموع المقدسة ذوبانها على سطحها الآسن، واحتشدت آلاف الطيور عندها خاشعة..

بعض المخضرمين يعزفون عن الإصغاء إلي، واليافعون يجدونني حمقاء، أبدد وقتي في تطلع شاذ.. خسارتي لجناحي القوي وريشي جعلتني محط سخرية كل طيور السبخة..

ما تشرق الشمس إلا لتقول إنها قضت ليلتنا في مكان آخر يبتهج بضوئها..

سقط صوتي على صمت السبخة دون مهد يستقبله، وغرد البعض خفية إشارة منهم إلى فقداني لبوصلة الاتجاهات، وهي أثمن ما يملكه طائر مهاجر..

جناحاي يحثاني على التحليق بعيدا، والعيون التي ترمقني بإزدراء لم تتابع تنهدات الريح التي رافقت رحيلي صوب الأفق المجهول..

قبل أن يتساقط الغروب بهدوء من مخبأ الشمس كنت قد بنيت عشا بين القصب، واستمتعت بمرأى آلاف الطيور من حولي، وهي تبني لبيوضها وصغارها بيوتاً لا تحصى حيث تمتد صفحة الماء بلا نهاية..

) هل ستصدقني طيور السبخة؟ هل ستتبعني يوماً نحو مسقط رأس كل طير مهاجر؟.

سؤال ليس لعشي الواهن طاقة به، وأثقل من أن أحلق به مجددا نحو الساقية الضحلة.. لكن ذاكرة المكان ستحتضن حتماً وبشدة آخر المشاهد لتجمعات قومي عند شفتيها قبل وداعي الأخير..

(2)

بضاعة أكان وجهك يشبه وجهه حقاً؟.. أم أنني بحثت عن حجة ما لأقترب؟.

الزجاج يفصل بيني وبينك، وأنت تضع تلك النظرة المواربة بين كل التناقضات الممكنة.. بحثت عن متكأ بين قسمات وجهي يمنحك المنطلق الأول لحديثك معي.. أحسنت مراوغتك وانزلقت على أكثر من موضع.. هل ضحكت أنا؟. نعم فعلت.. جاء سؤالك محايداً..

- نعم سيدتي؟ - لعلي أريد هذا الكتاب؟ امتدت يده إلى الكتاب، وامتدت يدي إلى الحقيبة.. قناعك المجهز بكل أنواع الدفاعات المعدة للمفاجآت لم تبدُ عليه الدهشة حين سألتك: هل أنت علي؟ بلى سيدتي أو لا تعرفني؟ لا يا سيدتي أصبحت على يقين أنك تجيد دورك..

كدت أخرج حين سمعت صوتك:

خذي كتابك سيدتي حملت الكتاب وأنا واثقة من اني قد فشلت تماماً في رسم ملامحك الحقيقية على قناع السوق..

- ماجدة الغضبان