Saturday 19/07/2014 Issue 15269 السبت 21 رمضان 1435 العدد
19-07-2014

فتحمَّلْ

(لا تسلني عن أمانينا وقد كانت سرابا

إنني أسدلتُ فوقَ الأمسِ ستراً وحجابا

فتحمَّلْ مُرَّ هجرانكَ..)*

ولا تبالغ في العتاب إن كنتَ لا تزال في زمرة الأحياء الذين قتلونا عتاباً فوق عتاب.

فلا شيء يصلني منك، حتى وإن وصلتك أشيائي كلها، هل يصل ضوءٌ قليلٌ من شموعٍ كثيرةٍ لم تجد عودَ ثقاب؟ لا تتعب نفسكَ في الجواب، ولا تبالغ في اختراع مبررات لهجران لم يكن له من ضحايا سواي. كفاك اقتحاماً لذاكرتي إن كان الموتُ قد اعتنى بك وأهملني. ابقَ في قبرك وانتظرني. قد أتأخر قليلاً عن مواعيد أخرى أقل أهمية من موعدي معك فلا تقلق. سأصل إلى جوارك قبل أن تقوم من مكانك.. (فتحمَّلْ مُرَّ هجرانكَ واستبقِ العتابَ).. هل حفظتَ، مثلي، الكتابَ؟ قيل ما بين سطوره: الأمنيةُ الحلمُ، والسرابُ الخذلانُ. فكيف هو إحساسُ الماءِ حين يهجره الظمآنُ؟!

قلتُ: كنا نحلم بخذلاننا في غيرنا فانخذل غيرنا فينا.. (لا تسلني عن أمانينا..) هو الخذلانُ الحلمُ خيالاً وقد فسرناه واقعاً شربناه عن آخر رمق كما تشرب الأجسادُ أرواحها لتبقى متشبثة بالحياة المؤبدة تحت شموس مؤقتة سيحجبها الشفقُ عما قليل، فلا تشفق إلا على نفسك وحدها ودعني أشفق على نفسي وحدي.. أو.. أوْلى بكل ذلك الآن أن يُسدل عليه ستارٌ يبقيه محتجباً - كشمس الأمس- إلى أمدٍ سيفقدنا الصوابَ..

(إنني أسدلتُ فوق الأمس ستراً وحجابا).. وسأتحمّلُ مرارات هجراني كلها، بكل احتمالاتها، كما يتحمّل التائبون عفواً أو عقابا. فابق في مكانك ولا تطرق لي بابا. هو الخذلانُ، قد عرفناه، كان يدفعنا إلى الأمانيِّ المستحيلة ويعدنا بأننا سنجد لكل مسألةٍ جوابا. فلا لوم الآن على الخطوات التي مشت بنا سلفاً، حتى نجمِّلَ من بعض قسماتنا تلفاً، فهوت بنا -وبكل قسماتنا - إلى محطات من العمر العامر بهجرانٍ أهديناه لبعضنا، حتى استحالت مرايانا سرابا. فتحمّلْ تبعات مُرِّكَ وكن سرابي كما تحمَّلتُ تبعات مُرِّي وكنتُ سرابكَ؛ هل صعبٌ على السراب أن يتحمَّل غيابا..؟!

يُحكى عن الزير سالم أنّ غروره أطاح به في مكيدة غيّبته عن الوعي، فغاب عن طلب ثأر أخيه كليب سنيناً طويلة. وحين عاد إليه وعيُه في صيحةٍ، فعاد يطلب الثأر، انكسر ظهره وأضحى قتيلاً في الفلاة. وهذا يعني، فيما يعني، أنَّ ظهوراً تنكسرُ حين يفكّر أصحابها في كسر غيابٍ فرضته الحياة.

***

* المطلع المقتطف (ما بين الأقواس) جاء ضمن (مختارات) من خمس قصائد ضمّها ديوان (حديث قلب) لعبد الله الفيصل، لحّنها رياض السنباطي وغنتها أم كلثوم عام 1971 تحت عنوان (من أجل عينيك).

ffnff69@hotmail.com

الرياض

مقالات أخرى للكاتب