Monday 21/07/2014 Issue 15271 الأثنين 23 رمضان 1435 العدد
21-07-2014

عودة الآلة الكاتبة

من الحقائق البديهية الانقلاب المهول الذي أحدثته التقنية في سبل وأنماط الحياة البشرية وتسهيلها لشئون الحياة والناس، بدءا بالثورة الصناعية مرورا بالثورة التقنية حتى وصولها إلى الثورة المعلوماتية والاتصالات،كذلك معلوم بالضرورة التأثيرات الجانبية أو السلبيات التي رافقت هذه الثورات،

من شيوع النزعة المادية والرأسمالية مع الثورة الصناعية وبدايات الاستغناء عن اليد العاملة، وبالتالي حرمان الطبقة الكادحة من تأمين لقمة العيش، والأمر ذاته يقال عن الثورة التقنية، إلى اختلال التواصل الإنساني وافتقاده للحميمية الاجتماعية والاستخدام السلبي من قبل بعض المجتمعات لهذه التقنية. إذا هي نعمة وسلاح يتوقف نفعها أو ضررها على من يستخدمها. قبل فترة عمد رب أسرة أمريكية إلى مرافقة زوجته وأبنائه في إجازة إلى الريف، وفي منزل خال من وسائط التقنية والتواصل وحتى التلفاز، في تجربة وتحد لمدى قدرتهم على الاستغناء عن هذه الوسائل، فما كان من هذه الأسرة إلا البدء في العيش بطريقة طبيعية وقضاء أوقاتهم في القراءة والاطلاع والتواصل المباشر فيما بينهم، فزال الشحن الذهني الزائد والضغط والضوضاء النفسية وعاشوا أياما هادئة صافية.

قضية التجسس الأمريكي على ألمانيا التي بالطبع أثارت عاصفة بين البلدين ولا تزال، كما أثارت لدى الكثيرين في ظل السياسة الأمريكية الخارجية المتخبطة، أقول هذه الأزمة الدبلوماسية بين البلدين جعلت الجرمان يفكرون في تجنب استخدام البريد الالكتروني الذي يفتقر إلى الأمان من الاختراق فما هو البديل الذي تنوي الدوائر السياسية الألمانية استخدامه يا ترى؟. انه الآلة الكاتبة، تلك الآلة التي اختفت أوكادت تختفي تماما من حياة الناس إلا من هواة للمقتنيات الكلاسيكية أو عشاق لوسائل الزمن الجميل إن صح التعبير. والهدف بالطبع من التفاتة الألمان إلى تلك الآلة الكاتبة هو قطع الطريق على الأمريكان وغيرهم ومنعهم من اختراق الشفرة والأسرار السياسية للحكومة الألمانية، إذ لاعلاقة بالطبع للآلة الكاتبة بالانترنت والمسارات الالكترونية حتى تخترق.

هذه الواقعة إشارة ودليل على الجانب السلبي للتقنية وهي مثال فقط، وإلا يصعب حصر سلبياتها وأزعم أن قادم الأيام سوف تكشف المزيد والمزيد من تلك الآثار الضارة والسلبية لهذه التقنية، وإن كان أكبرها كما قلت هو الجانب الإنساني والحميمية الاجتماعية وشيوع ثقافة الاستهلاك والعولمة الممسوخة. قبل فترة قمت بإلغاء برنامج (وتس أب) من هاتفي على الرغم من إيجابياته في التواصل وتسهيل كثير من الأمور والاطلاع على ما يجري في هذا العالم، إلا أني مع استخدامي له وبشكل مقنن أيضا، سئمت ما فيه وبدأت أشعر بصخب العالم بين يدي وبالغثيان والضجرأحيانا، بسبب ما يتم تداوله من أخبار تفتقر إلى المصداقية فتشوش الذهن وتسبب الحيرة حقا، عدا عن مقاطع مصورة أو صوتية بعضها نافع والكثير منها تافه. وعلى رغم خسارتي للتواصل مع كثير من الأحباب والأصدقاء عبر هذه الوسيلة إلا أني أزحت عن كاهلي حملا لست بحاجة إليه طالما هناك البديل وأرحت ذهني وعاد إلي هدوء افتقدته، والأخبار والوقائع أجدها في المصادر الموثوقة بدل الشائعات وتوافه القصص وبالطبع ليست هذه دعوة إلى ترك ما هو نافع ومفيد تقنيا، ومنها هذه الخدمة، وهذه وجهة نظر وتجربة شخصية أحببت أن أطلعكم عليها مع عميق احترامي لجميع الآراء، تقبل الله صالح أعمالكم.

romanticmind@outlook.com

تويتر @romanticmind1

مقالات أخرى للكاتب