Sunday 27/07/2014 Issue 15277 الأحد 29 رمضان 1435 العدد
27-07-2014

من الذي انتصر؟

بعد هذه الدورة السنوية الإيمانية الرمضانية الدورية، ومدة هذه الدورة عند خبراء التنمية البشرية مدة كافية لتوطين المفاهيم والممارسات التي يخضع لها الإنسان خلال مثل هذه المدة، وليس بخاف أنه خلال شهر رمضان تتغير الكثير من العادات اليومية المألوفة، والكثير من الممارسات الخاطئة التي ألفتها نفس الإنسان واعتادت عليها، ويأتي رمضان بشحناته الإيمانية كي يدفع الإنسان ويحفزه إلى تغيير ما ألفه من سلوكات غير لائقة، ويشجعه على تعويد النفس على البدائل الخيرية الدينية والدنيوية.

كان الله في عون الإنسان، حيث تتنازعه في توطين البدائل الخيرية في كل آن ولحظة، سلطات نفسية ثلاث، تتجاذبه كل واحدة منها وتجذبه وتشده إلى المواطن التي تراها تحقق لها ما يشبع نهمها ونوازعها، إلى ما تشتهيه وتحبه، إلى ما يتوافق مع رغباتها، لكل واحدة منها مغرياتها، ولها جاذبيتها، ولها ما يستهوي إلى اتباعها والانقياد لها، سلطات متعارضة في مقوماتها، تستميت في النيل من صاحبها والاستحواذ عليه.

فالنفس الأمَّارة بالسوء: إحدى هذه السلطات، يقظة حية، متطلعة أبداً إلى ما كانت تألفه وتشتهيه، نفس يقودها الهوى، تأمر صاحبها وتوجهه إلى ما تهواه من مواطن اللذة والغواية والسفه، على الرغم من أنها تعلم علم اليقين أن تجاه خط سير هواها يسير في غير ما فيه رضا الله ورضوانه، ومع ذلك لا تتوانى في الدفع إلى تلك المواطن، بل تزينها في صور من التشويق والإغراء كي تضمن سلاسة الاتباع وسهولة الانقياد.

أما النفس اللوامة: وهي صاحبة سلطة أيضاً، فإن كانت خيرة، لامت صاحبها لماذا لا تكثر من فعل الخيرات وتستزيد منه؟، وإن كانت شريرة، لامت صاحبها لماذا لم تنغمس أكثر وأكثر في فعل الشهوات وتستزيد منها؟، كلتاهما يلوم صاحبه على ما فات، وتشعره بالحسرة والندم، فالخيرة تلوم صاحبها على ما فات من فرص الإحسان، والشريرة تلوم صاحبها على ما فات من فرص البطلان.

النفس المطمئنة: وهي صاحبة سلطة، سلطة أسمى مكانة، وأعلى قدرا، سلطة عرفت الحق فآمنت به واتبعته، لذا تجدها دائما ساكنة هادئة موقنة، راضية مرضية، ثابتة دائرة مع الحق، آمنة مطمئنة لتوجهاتها، لا تلتفت أبدا إلى هواجس التطرف، ونوازع الغلو، وصور المغالاة، متزنة متوازنة، تعرف حدود حركتها، والسبل المناسبة لتغذية حاجاتها المتوافقة مع فطرتها، سمتها الاستقامة على طريق الهداية.

ثلاث صور من سلطة النفس، لا تخلو الحياة الاجتماعية للفرد من غلبة واحدة منها، قد تبدو صورة منها أو أكثر في فترة أو مرحلة لكن سرعان ما تزول، قد تبدو في موقف طارئ، أو لحظة نزوة، ولكن سرعان ما تخبو، بعضها ظاهر جلي، والبعض الآخر خفي، لكن المؤكد أنه سيكون لإحداها غلبة وحظوة وسيطرة على نمط السلوك العام للفرد.

الفرق بين الأنفس الثلاث واضح جلي، والموفق من حباه الله نفسا مطمئنة، إنها نفس سامية، إنها منارة هدى، تهدي صاحبها إلى المحامد من الأقوال والأفعال، لذا تجد من يتمتع بغلبة هذه النفس متوافقا مع محيطه الاجتماعي، متكيفا معه، قادرا على التعامل مع متغيراته والتأثير فيها، راضيا مرضيا محققا لإشباع حاجاته المتوافقة الفطرة.

وحيث إن هذا اليوم آخر يوم في رمضان، ولغلبة النفس المطمئنة في هذا الشهر عند عامة الناس، فبإمكان كل واحد مراجعة الأسباب التي مكنت هذه النفس من الغلبة، والتعرف على مواطنها وصورها، وبالتالي يسعى جاهدا إلى مواصلة تعزيز تلك المواطن والصور في القادم من الأيام بعد رمضان.

إنه الانتصار الحق.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب