Friday 08/08/2014 Issue 15289 الجمعة 12 شوال 1435 العدد
08-08-2014

أينها..؟!

من لا يحسن قراءة التاريخ لا يصمت.. مع أنه لابد أن يفعل..

ومن لا يجيد تحليل الواقع تجده مفوهاً لا يخفض صوته..

ومن يهرف خائضاً مع الخائضين يزيد النسيج شقا، ويطمس على السراة الطريقَ..!!

الناس جميعها أصبحت تكتب، وتخوض..، وتتكلم.. وإلا تسم بعضها بعضاً بما يحلو لها من التأويل..!

فالسبل مشرعة للخوض، ميسّرة للكلام ..،

لكنها ليست للحقيقة عينها،، ولا للسِّلم فرضَه، ولا للفرح غرسَه، ولا حصادَه...

طال غياب الفرح..، والاختبار صعب في درس معانيه..!!

انبجست نوافير الاستياء، وليت نوافير الأفواه تُشلُّ..

انقلب ظهر المجن على أناس الأرض ، وهي بين حرب، ونوايا، واقتتال، وزلازل، وإرهاب، ..

وهرع المتأملون، المتفكرون، المندهشون، المصابون بلوثة الضجيج العالمي يستلهمون ما قال الشعراء من قبل..،

يتنّسمون ملامح الواقع الراهن الذي اقتنصها من كان من أولئك الشعراء الذين قرأوها في قصائدهم استشرافاً آنذاك..

فأين شعراء اليوم عن واقع الراهن..؟

أين الذين شغلوا عن الحدْس بوصلة الملَكَات..، وتشاغلوا عن التوقُّعات بوتقة الإيقاعات...!؟

فما يتناثر جملة من شعر خالٍ من الشعر..،

لم يَعُد للقصيدة وقعها الذي كان..، وليس لها أثرها كأصداء سابقاتها، فقد كانت ديواناً يحرك الشعور، وحسَّاً يتردّد مع الآه..!

أين الجواهري ، وزكي مبارك..، وشوقي، وحافظ، أين من قبلهم أبو تمام ، والبحتري، ومن بعدهم الشابي، والبردوني، وجبران، وأبو ريشة..، وطوقان، ونعيمة، وشحاتة، وقنديل، وسرحان، وزمخشري، وأين آخرهم محمود درويش.. وأولئك من قبل، ومن بعد، ومن بين..؟!

أين القصيدة التي ستؤرّخ ليس للأحداث في عالم يضطرب بشتى الأحداث وإنما للصور التي تركتها كل الأحداث..؟!!..،

وليس للأقوال التي دفَّقتها الأحداث.. ، وإنما للإحساس الذي فجّرته بعنفوانها وزبدها..،

وليس للكلام الذي ولَّدته بغثائها..، وإنما للأنين الذي أطلقته بقسوتها وشظاياها..، وللإنسانية التي تاهت في المدار..!!

أين القصيدة الناطقة بالصور،.. المعبرة باللقطة ليس لوجه الأرض المخضر الذي حلمت به دعوى «العولمة»، وتعاضد البشرية، ومساواتها، وإنما للهشيم الذي مدته مطامع السطو، والتمييز، والخلاف، والهيمنة..؟

أين القصيدة البلسم لأوجاع القلوب..؟

الراثية لفقد الفضائل، وذوبان الأخلاق..؟!

الوميض لكآبة اللوحة..؟ النداء لاستجابة الضمير..؟!

فنحن أناس الكلمة فينا بيت قصيد..، والقصيدة فينا ديوان..،

لكن القصيد قد اهترأ..!

وبهتت فينا الكثير من المشاعر..

فمن حولنا العالم يصطرع..، نالنا منه صداع كثير..

فأريحونا من الهذر، وهاتوا بالقصيد...!!

عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855

مقالات أخرى للكاتب