خطبة الجمعة من المسجد الحرام

التاريخ يعيد نفسه .. وظهرت فئة من الخوالف شوَّهوا صورة الإسلام بنقائه وصفائه وإنسانيته.. وانحرفوا بأفعالهم عن سماحته ووسطيته

الجزيرة - واس:

أوضح فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس أن من سنن الله الكونية الشرعية ما يكون بين الحق والباطل من نزاع، وبين الهدى والضلال من صراع، ولكلٍ أنصار وأتباع وذادة أشياع.. وكلما سمق الحق وازداد تلألؤاً واتضاحاً ازداد الباطل ضراوة وافتضاحاً. وهكذا بعد المحن المطوحة والصروف الدهم المصوحة يذهب النور بذيول أهل الفجور.

وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام: فلا تسل عبر التاريخ عن فعال أهل الكفر الشنعاء أو رزايا التتار الشعواء أو بلايا المغول البواء أو فتنة القرامطة الدهياء الذين سعوا لقمع أهل الإسلام وغيرهم سلفاً وخلفاً، ممن ضحت الخضراء والغبراء لجرمهم الكفور وحقدهم الطامي بالفجور والشرور. كل أولئك وغيرهم أين آثارهم؟ لقد بادوا بعد أن عاثوا في الأرض وأبادوا، وكادوا للمسلمين ما كادوا، فلم يتخذهم التاريخ إلا مثالاً قاتماً للطغيان الغشوم، وصمد دين الله في شموخه وإبائه وعزته وعلائه، وسيدوم بإذن الله.

وأضاف بأن التاريخ يعيد نفسه، وكما لم تسلم خير القرون من نزغات الشياطين فظهرت أول بدعة في الإسلام في نهاية الخلافة الراشدة، فإن فئة من الخوالف ساروا على درب أسلافهم ممن قصرت أفهامهم، وطاشت أحلامهم، ففهموا النصوص الشرعية فهماً خاطئاً مخالفاً لفهم الصحابة والسلف الصالح، فشوهوا صورة الإسلام بنقائه وصفائه وإنسانيته، وانحرفوا بأفعالهم عن سماحته ووسطيته. مشيراً إلى أن الغيور من أهل الإيمان ليعجبوا من هؤلاء لأشباههم يسلكون طرائق الباطل، وينهلون من مشارب البطش، أرخصت لديهم الأعمار فقامت بسفك الدماء وقتل الأبرياء وجلب الدمار وإلحاق العار والشنار وخراب الأوطان والإساءة إلى خلاصة الشرائع والأديان. وبيّن فضيلته أن هذه الدعوات التي تستهدف المجتمع الإسلامي عامة، وتختطف عقول الشباب خاصة، ليس وراءها إلا هدم المجتمع وتفككه وإحلال أمنه واستقراره. والمصطلحات الشرعية التي يستخدمها هؤلاء لجر شبابنا إلى الويلات باتت واضحة مكشوفة الأهداف لكل ذي عين. ولا تزال أفعالهم الباطلة الرديئة وأقوالهم المنمقة تفضح مكنون ضمائرهم، وتكشف مضمون سرائرهم؛ لأنهم اتخذوا الدين مسلكاً لأهوائهم الطامة. لافتاً النظر إلى أنه على العلماء أن يستنهضوا العزائم والهمم، ويطرحوا عن أنفسهم التواني والصمت والوهن، وأن يقولوا كلمة الحق دون مواربة، لا يخشون في الله لومه لائم، ويرسخوا العقيدة الإيمانية لدى النشء والأجيال في تمازج الوحدة الدينية واللحمة الوطنية وفق الضوابط الشرعية والمقاصدية، والوقوف صفاً واحداً في وجه كل من يحاول اختطاف وتشويه الإسلام.

وأفاد الدكتور السديس بأنه يرى دماء إخواننا في فلسطين وغزة وبلاد الشام تسفك في مجازر جماعية في جرائم حرب ضد الإنسانية، دون وازع ديني أم إنساني أو أخلاقي، حتى أصبح للإرهاب أشكال مختلفة، كل ذلك يحدث تحت سمع وبصر المجتمع الدولي بكل مؤسساته ومنظماته، مما يخشى معه أن يوجِد ذلك جيلاً لا يؤمن إلا بالعنف والإرهاب وصراع الحضارات. مبيناً أن الحاجة ملحّة إلى وضع ميثاق شرف عالمي، يؤدي فيه القادة والعلماء رسالتهم، ويضبط الشباب فيه فكرهم، ويضبط فيه مسار الإعلام الجديد.

موضوعات أخرى