27-08-2014

سياحة في بيت

لا جاك ولد سمه موضي!

ياالخيّرة موضي البسام

يا مفخرتنا بهالديرة

- محمد العبيدالله

ليس هذا هو الحديث الأول في سيرة المحسنة الكبيرة المرحومة العمة موضي العبدالله البسام (1270- 1363هـ) وحتماً لن يكون الأخير, فأحاديث الشهامة والفروسية الإنسانية منقطعة النظير لا تُمل مهما كُررت وترددت, وفائدتها لا تتوقف على إثارة العاطفة بإيقاد فانوس الحماسة نحو تمتيع النفس باستعراض مواقف النبل, بل تتجاوزها إلى تربية الأخلاق وبناء الشخصية الإنسانية التي تتعرض في كل لحظة وحين إلى حملة شرسة من الهدم المنظم عبر السير في طريق إجباري نحو مادية الحياة!

تعرضت العمة موضي في حياتها إلى الكثير من صدمات الحياة لكنها لم تقف أمامها شامخة فحسب بل تجاوزتها إلى ما هو أقوى وأعظم وأنبل وهو توثيق صلتها بخالقها عبر إيمان عميق نحسبه الخالص من شوائب الدنيا, وتجلت ملامح هذه الصلة الطاهرة بعدد من المواقف التي (أعُدّ منها ولا أعدِّدُها), منها ما يتعلق بها وبأسرتها, ومنها ما يتعلق بمجتمعها المحلي, ومنها ما يتعلق بمجتمعها الأوسع في نجد وفي الخليج أيضا, فقد كانت مثالا يُحذى في الاحتساب والصبر على المصائب التي تعاقبت عليها في حياتها, وكانت مثالا يُحتذى ونموذجا شامخا في العفو والتسامح والكرم والإحسان, وقد سجل التاريخ بعضا من مواقفها, وتناقلتها أفواه الرواة, ونشرها المهتمون بالتاريخ والأدب والمهتمون بالشأن الإنساني والاجتماعي العام.

فجعت موضي بوفاة زوجها سنة 1320هـ ثم وفاة ابنها الأكبر واثنتين من بناتها سنة الرحمة 1337هـ, ثم ابنتيها الأخريين بعد ذلك بسُنيّات ولم يبق لها سوى ابن وحيد هو الوجيه المرحوم إبراهيم العبدالرحمن البسام (ت 1398هـ), فلم تزدها هذه الفواجع إلا إيمانا بربها. أما انصرافها إلى أعمال الخير فلم تفرزه تلك المصائب كما ذكره بعض من كتب عنها, بل كان طبعاً وسجية في شخصيتها, وخلقا كريما ورثته من أسرتها الكريمة, وقد سبقت مواقفها النبيلة الكريمة الشجاعة مآسيها, حيث احتوت فلول الجيش الكويتي المنهزمة في معركة الصريف 1318هـ, واستضافتهم سرا في بيت تملكه أسرتها على الرغم من حملات الرعب والترهيب والتصفية التي كانت تمارسها قوات الأمير عبدالعزيز الرشيد المسيطرة على عنيزة في ذلك الحين, وعلى الرغم من وشايات جواسيسه وأتباعه وغيرهم. كما استضافت المنهزمين من أهل العارض في معركة البكيرية 1322هـ. أما ما فعلته في سنة الجوع 1327هـ فلا تقوى على عمله أكبر الجمعيات الخيرية, فقد قدمت نموذجا فريدا لـ(إدارة الأزمات) حيث اشترت كميات كبيرة من التمر وشكلت فرقة طوارئ, فاستأجرت عددا من النساء لتوزيعه على بيوت الفقراء يوميا وكانت تشاركهن المهمة.

أما موقفها مع عايد الصقيري الذي شارك أتباع الأمير الذي استعاد إمارة أسرته في الاعتداء على بيوت أهلها وأسرتها, حينما احتاج إلى جريد نخل ليسقف به بيته الجديد ولم يجده إلا عندها؛ فما هو إلا شاهد من شواهد شخصيتها الفريدة.

لقد كانت موضي البسام أمًّا حانية للفقراء والمساكين فلقبت بـ (أم المساكين), وإذا كانت المروءة والنخوة والشهامة والشجاعة والكرم والتسامح ولين الجانب وحسن التعامل.. هي قمة الأخلاق التي ترسم معالم الرجولة في المجتمع الذكوري فإن موضي البسام تقف في قمة (المرجلة) ولذلك ضُرب بها المثل فقيل: (لا جاك ولد سمه موضي)!

لا جديد في هذا الحديث عن موضي البسام -رحمها الله- سوى هذه القصيدة التي تجدونها في جانب آخر من هذه الصفحة وصدّرنا هذه المقالة بمطلعها, وقد كتبها قبل أيام قلائل صديقنا الشاعر محمد العبيدالله.

alkadi61@hotmail.com

تويتر alkadi61@

مقالات أخرى للكاتب