30-08-2014

ذكريات مُعَلّم، وفكرة للتطوير

حدثنا (أبو دحيم) حديثاً تشعّبت شجونه وتصاعدت ذؤابته بقدر امتداد الشوق والحنين الذي يُكِنّه لمهنته قبل التقاعد عندما كان يجتهد في تربية وتعليم الصغار، ويزعم أنه كان وأمثاله آنذاك من خيرة المعلمين، الذين قدّموا عصارة خبراتهم وأفكارهم للرفع من القيم التربوية لدى الناشئة، ومع نبرة المبالغة العفوية، وملامح الثقة في عبارات التربوي السابق، إلاّ أن في كلامه ما يمكن التوقف عنده للتأمل، مع الأخذ بالحسبان أن الرجل كان مخلصاً لمهنته ولأبناء جيله بقدر ما منحه الله من مقدار معرفي، فهو يقدم ممّا في جعبته ولا يلام بعد ذلك، فقد قال أمدّ الله بعمره: في العقود السابقة؛ خذ كفاءة معهد المعلمين المتوسط وتوجّه رأسا لأي مدرسة لتكون ممن يقف لك التلاميذ بوافر التبجيل، فقد كانوا آنذاك يرددون ( قم للمعلم وفّه التبجيلا + كاد المعلم أن يكون رسولا)!

وهل كان التلاميذ يدركون المعنى؟ ليس كلهم بالتأكيد، لكن الأكيد أنهم جميعا يحترمون المعلم ورسالته، ثم جاء معهد المعلمين الثانوي، ثم المعهد التكميلي، ثم الكلية المتوسطة للمعلمين، التي تحولت إلى كلية المعلمين، ومع التطور الشامل تلاشت بين جلابيب كليات التربية، ويرى أنه تدرّج لا بأس به فرضته طبيعة المرحلة، ومما يلفت في حديث الرجل الطيب أنه يردد مفردات مثل (خبرتي، محفوظاتي، علمي، هيبتي)، مما يثبت للسامع أنه بالفعل من اولئك (الطيبين)، فخبرته تنحصر بتدريسه مادة الأناشيد والمطالعة (النصوص) لمدة تزهو على ثلاثين عاماً، أي أنه كان يكرر نفسه طيلة تلك المدة دون أي تراكم معرفي يقدمه للتلاميذ، لأنه يحصر قراءاته العامة في كتابين أو ثلاثة يكاد هو وأبناء جيله أن يحفظوها (أو هم كذلك) من كثرة تردادها في المنزل والمسجد، وتحولت كما قال إلى محفوظاته، وهي حدود علمه، وهي ذخيرته أمام أسئلة التلاميذ، ودثار هيبته، غير أننا لا يمكن أن نبخس معلمي الاجيال السالفة ما بذلوه من جهد في حقل التربية قبل التعليم، فهم حقاً ممن حفظ لهم المجتمع وشهد لهم بأنهم بنوا عقولاً وصانوا أنفساً من الزيغ والزلل بدروسهم التربوية بوسيلة فاقت كل الوسائل هي (القدوة)، ومن يخرج عن الصراط من التلاميذ فليس له إلاّ العقاب المتعارف عليه عندهم، دون احتجاج من أولياء الامور لثقتهم بالمعلم كقدوة بدأ بنفسه فهذبها ويريد للصغار أن يكونوا كذلك، وأضاف محدثنا أبو دحيم أنه بهذا النهج خرجت أجيالا تشبّعت التربية قبل التعليم، انتهى حديثه (غفر الله له)؛ حيث إن كثيراً من كبار السن ممن درسوا لديه لازالوا يعانون من آثار خيزرانته ومسطرته.

أما الآن فالأمر يختلف، وأرى أن التدرج يفترض أن يكون عكسيا، بحيث يتوقف تعيين خريجي البكالوريوس على مراحل وجدول زمني ينتهي بأن تكون أقل درجة يمكن أن يُعّين عليها المعلم هي الماجستير، وصولا للدكتوراه في مراحل نهائية، ثم إن التوجه للتخصص من أهم عوامل الرقي بالعملية التعليمية، ولعل بداية التنوع التخصصي في المرحلة الثانوية يكون نواة لمخرجات جامعية ناضجة فاعلة، التعليم من أهم عناصر ومقومات التقدم والحضارة، فالاهتمام به يجب أن يكون على رأس الأولويات.

T@alialkhuzaim

مقالات أخرى للكاتب