30-08-2014

العودة مرة أخرى إلى البساطة في تنظيم العمل المصرفي

يتساءل عامة الناس هل أصلح المشرعون عيوب النظام المالي التي دفعت العالم إلى شفير الهاوية وأدخلته في فترة كساد هائل بعد عام 2008 وممن يتابع تلك الإصلاحات فإنه لم يجد أنه قد طرأ تغيير جذري يذكر لأن مثل هؤلاء المتابعون يرون أن تلك التغييرات ما هي إلا ترقيع للوضع الراهن والمحافظة على الوضع السابق كما هو لأن الساسة والمنظمون لا يملكون القناعة اللازمة للعودة إلى نظام أكثر وضوحاً وأكثر مباشرة.

فالتنظيم المصرفي نشأ عن عدد ضئيل من المبادئ البالغة التحديد ومن غير المنطقي أن يستوعب الإنسان فهم إحصائيات خوارزمية بالغة التعقيد لها القدرة على قياس المخاطر وكفاية رأس المال.. ومن يقارن بين قانون جلاس -ستيجال لعام 1933 وبين قانون دود- فرانك الحديث لإصلاح وال ستريت فإن القانون الأول ساهم على خلق الاستقرار المالي في الفترة الأولى بعد الانهيار الاقتصادي في عام 1929 والذي تسبب في كساد عظيم إلى أن جاءت مهارة الهندسة المالية للمنتجات المصرفية فغيرت الاتجاه الاقتصادي التي كانت تحمل دلالة تضيف المزيد من التعقيد بغرض استخراج رسوم عالية وإخفاء المخاطر بل وإخفاء أو تهميش بعض الإنشطة الأخرى.

وحتى قاعدة فولكر المحتفى بها بعد الأزمة المالية الأخيرة لأنه كان المقصود منها بناء جدار أكثر متانة بين التجارة المصرفية العادية والتجارة المصرفية الأكثر مجازفة في الممتلكات بل وتعرضت هذه القاعدة للمزيد من التخفيف عبر مرورها بالعملية التشريعية اللازمة فلم تكن تلك القاعدة الإصلاح الجذري اللازم لايقاف سباق التسلح المالي.

ومنذ تسعينات القرن المنصرم كانت الهيئات التنظيمية تجد صعوبة في الحصول على موظفين لديهم القدرة على فهم سوق المشتقات المالية السريعة التطور بينما كان يدعو الأكاديميين في منتصف التسعينيات إلى أهمية التنظيم الذاتي باعتبارها الوسيلة الوحيدة الفعالة لتنظيم عمل البنوك وكانت فكرة الأكاديميين أن تقوم البنوك بتصميم أنظمة خاصة لإدارة المخاطر ثم تقوم الهيئات التنظيمية بمراجعتها ثم تتم بعد ذلك المتابعة ومعاقبة البنوك التي تتجاوز تلك الأنظمة المصممة أن نتج عنها خسارة وفق الحدود المتفق عليها.

أي أن الهيئات التنظيمية والأكاديميين كانوا يرون أن النماذج الذكية كانت معيبة لكن رغم ذلك فإن البنوك استمرت في تطبيق هذه الأنظمة المعيبة لذلك فإن العالم يحمل حتى الأكاديميين المسؤولية عن هذا الإنهيار الذي نتج عنه هذا الجمود الذي كان عرضة للخطر الكبير والشديد.

والمنظمون يبحثون عن الاستعانة بنظام أبسط وأكثر شفافية من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الإقراض وقدر أعظم من الاستقرار ولكن يرى البعض أنه ليس من السهل تشريع الإصلاح المالي في ظل ركود الاقتصاد العالمي ومثل هؤلاء يروجون لمقولات مثل أن يؤدي هذا الإصلاح إلى مزيد من تعويق الائتمان وتحويل الركود البطئ إلى حالة من الركود الشامل أيا تكن هذه المخاوف فإن العودة إلى العقل والحكمة ضروري في تنظيم الأسواق المالية لضمان الاستقرار المالي على المدى البعيد.

ويجب إعادة النظر في اتفاقية الشراء المذهبية أو عمليات إعادة الشراء التي يجري استخدامها الآن بعد الأزمة المالية بدلاً من مبادلات أسعار الفائدة للتغطية ضد مخاطر أسعار الفائدة لأن العائدات المذهبية حالياً أعلى من عائدات المبادلات أو الفكرة العصرية المتمثلة في السماح للبنوك بإصدار رأس المال المشروط بأن يسمح لها بتحويل الديون إلى أسهم عند وقوع الأزمات الشاملة للنظام بأكمله.

من الصعب تقييم ما إذا كانت جميع هذه الأعمال الهندسية تفيد المهندسين أو المستثمرين أو المساهمين بشكل رئيسي لكن المشكلة أنهم جميعاً لن يتحملوا التكلفة في حالة حدوث أزمات نتيجة هذه الأعمال الهندسية عالية التعقيد.

Dr_mahboob1@hotmail.com

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

مقالات أخرى للكاتب