07-09-2014

اللهم إنا نبرأ إليك مما يفعله تنظيم داعش

قد انتشر القتل، ولا يدري الإنسان لِمَ قتل، وفيما قتل. وأُقْحِمَ المسلمون العزل في مواجهات الأعداء الذين لا يخافون الله، فكثر القتل والتشريد والتهجير. وخير مثال ما تقوم به الجماعات المسلحة كداعش وبوكو حرام وغيرهما من نحر المسلمين وسبي الناس وطرد الناس على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم من أراضيهم.

وهناك صور تدل على جهل هؤلاء بالإسلام وتعاليمه السمحة، منها:

1- في كثير من مقاطع اليوتيوب المسجلة من أرض المعارك يُنحر الناس وهم يصيحون «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وتبقى سبابتهم مرفوعة دليلاً على التشهد قبل الذبح، ومن قالها من الكفار فقد عصم الله دمه وماله وعرضه، فما بالك بأمة الإسلام، إذ ورد في حديث الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ (هُوَ الْمِقْدادُ بْنُ عَمْرٍو الْكِنْدِيُّ) أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلاً مِنَ الْكُفّارِ، فَاقْتَتَلْنا، فَضَرَبَ إِحْدى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَها، ثُمَّ لاذَ مِنّي بِشَجَرَةٍ، فَقالَ أَسْلَمْتُ للهِ، أَأَقْتُلُهُ يا رَسولَ اللهِ بَعْدَ أَنْ قَالَها؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَقْتُلْهُ»، فَقالَ يا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ قَطَعَ إِحْدى يَدَيَّ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَما قَطَعَها. فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقولَ كَلِمَته الَّتي قال». وكذلك ما ورد في حديث أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلى الْحُرَقَةِ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَلَمّا غَشِينَاهُ قَالَ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، فَكَفَّ الأَنْصارِيُّ عَنْهُ، وَطَعَنْتُهُ بِرُمْحي حَتّى قَتَلْتُهُ. فَلَمّا قَدِمْنَا، بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: «يا أُسامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَما قَالَ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ؟ قُلْتُ كَانَ مُتَعَوِّذًا. فَما زَالَ يُكَرِّرُها حَتّى تَمَنَّيْتُ أَنّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. ويستفاد مما سبق أن مقتضى العدل أن نأخذ الناس بظاهر أقوالهم وأفعالهم، ونكل سرائرهم إلى الله - عز وجل - لأنه وحده المطلع على ما تُخفي الصدور.

2- في قتل الناس وسبيهم ومصادرة حرياتهم وأموالهم وانتهاك أعراضهم واغتصاب أراضيهم ونسائهم لا يجوز الاجتهاد ولا التأول، ولن يؤجر عليه المغتصب والمتعدي والمستبيح بل يأثم ويبرأ من فعله الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون. ولا يحق لكائن من كان أن يقول قتلت ذاك الإنسان الأسير مجتهداً أو متأولاً أو نكاية. ويجب على العلماء تحرير متى يكون المجتهد مأجوراً والتأكيد على أنه لا يجوز الاجتهاد في قضايا الأمة الكبرى ونوازلها للمغامرين والأحداث ومن هو غير مؤهل. ولا أدل على ذلك مما رواه البخاري في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره. حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه. فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين. وقد بوب البخاري في الصحيح على بيان رد اجتهاد الإمام إذا خالف الحق، واحتج بهذا الحديث. ونقل ابن حجر عن ابن سعد وابن إسحاق أن خالداً بُعث داعياً للإسلام لا مقاتلاً. وذكر ابن حجر أن ابن عمر وخالد اختلف فهماهما لكلام بني جذيمة، ففهمه ابن عمر على أنهم أرادوا الإسلام، وأن هذه اللفظة كانت مشهورة عند قريش تطلقها على كل من أسلم. أما خالد فقد نقم عليهم العدول عن لفظ الإسلام فقتلهم متأولاً، فحلف ابن عمر على أنه هو ومن معه من المهاجرين والأنصار لن يقتلوا أسراهم، فلما قدموا على الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر على خالد العجلة وعدم التثبت في فهم كلامهم، ثم أرسل صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه بمال ليدفع لهم دياتهم، فلم يُبق منهم أحداً إلا دفع ديته. ونقل ابن حجر عن الخطابي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعاقب خالداً، وتبرأ من فعله؛ ليعلم الناس أنه لم يأذن في هذا، ولينزجر غير خالد بعد ذلك عن مثل فعله.

3- نسأل الله العافية. نرى كثيراً من المنحورين ينظر لصاحبه بجانبه وهم يحزون رأسه بسكين، وهذا منتهى القسوة التي لا يقرها ديننا الحنيف. والنبي صلى الله عليه وسلم أمر من يذبح حيواناً بألا يذبحه عند أخيه وهو ينظر إليه، فكيف ببني آدم الذين كرمهم الله وحملوا الأمانة؟ فقد اتفق الفقهاء في الموسوعة الفقهية على أن من آداب الذبح: ألا تُذبح بهيمة أمام أختها. وقال ابن قدامة - رحمه الله - في المغني: «وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَ شَاةً وَالْأُخْرَى تَنْظُرُ إلَيْهِ». وجاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن شداد بن أوس، قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته». وجاء عن ابن عمر رضي الله عنهما فيما رواه ابن ماجة في سننه، وأحمد في مسنده: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم».

4- نرى جهلاً مطبقاً بإقحام الأطفال في هذه الفتن، وفي كل مرة نسمع من أخذ ولديه وهما صغيران إلى داعش ليلهوا برؤوس الناس في صورة ليست من الإسلام أبداً. وتبين فيديوهات تبثها جماعات قريبة من القاعدة وغيرها مجموعات من الأطفال دون العاشرة تقوم بتدريبات قتالية عنيفة، وترفع شعارات متطرفة، ويقحمونهم في الاعتصامات في الميادين والمظاهرات وساحات القتال، ويجندونهم في المساجد والجمعيات، ويختطفونهم من طفولتهم تحت مبدأ الإسلام السياسي وجماعاته الحزبية، وهذا حرام شرعاً بدليل ما ورد في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «عُرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني في المقاتلة». وذكر ابن الأثير في أسد الغابة «أن عمير بن أبي وقاص، قديم الإسلام، مهاجري شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل بها شهيداً، واستصغره النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد المسير إلى بدر، فبكى فأجازه، وكان سيفه طويلاً، فعقد عليه حمائل سيفه. قال سعد: «رأيت أخي عميراً قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوارى، فقلت ما لك يا أخي؟ قال: أخاف أن يستصغرني رسول الله فيردني، وأنا أحب الخروج؛ لعل الله أن يرزقني الشهادة. فرُزق ما تمنى». وذكر أبو عمر في الاستيعاب عن سمرة ابن جندب قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعرض عليه الغلمان من الأنصار فيلحق من أدرك منهم، فعُرضت عليه عاماً فألحق غلاماً وردني؛ فقلت: يا رسول الله، ألحقته ورددتني، ولو صارعني صرعته. قال فصارعني فصرعته فألحقني». وإن المتأمل في هذه الرواية يرى أن الرد في بداية الأمر كان بسبب الصغر.

5- حينما ترى تشدد هؤلاء في قضايا المرأة في المجتمع نجد تساهلاً فيما يسمى نفيرهن لساحات الجهاد، والجريمة في خروج النساء وتجاوزهن الحدود وهروبهن من الأهل ومن دون محرم في الغالب إلى داعش وغيرها من التنظيمات في ساحات القتال، دونما نظر في الرأي الشرعي وما قاله العلماء في شروط خروج المرأة. ونلحظ أنهن شابات، ويعبث بهن الجنود الجهلة وشذاذ الآفاق والصبيان الحدثاء دونما خوف من الله. وهناك من تهب نفسها على غير طريقة شرعية لقائد معين. وتحدث العلماء عن ضوابط خروجها للجهاد الشرعي، وليس لجهاد غير شرعي كما يحصل من داعش وغيرها ممن اخترع جهاد النكاح وساحات الفتن التي لا راية فيها ولا ولاية ولا فقه ولا فقهاء، فاشترط الفقهاء ألا تكون شابة. قال في شرح السير الكبير: «ولا بأس بأن يحضر منهن الحرب العجوز الكبيرة فتداوي الجرحى، وتسقي الماء، وتطبخ للغزاة إذا احتاجوا إلى ذلك.. فالشواب يُمنعن من الخروج لخوف الفتنة، والحاجة ترتفع بخروج العجائز». واعتبر الشافعية في منع خروج المرأة للطاعات كونها مشتهاة، وقالوا: «ويكره لها حضور جماعة المسجد إن كانت مشتهاة ولو في ثياب مهنة، أو غير مشتهاة وبها شيء من الزينة أو الريح الطيب. وللإمام أو نائبه منعهن حينئذ». وفي المغني: «لا يدخل مع المسلمين من النساء إلى أرض العدو إلا الطاعنة في السن، لسقي الماء، ومعالجة الجرحى، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وجملته أنه يكره دخول النساء الشواب أرض العدو; لأنهن لسن من أهل القتال، وقلما يُنتفع بهن فيه، لاستيلاء الخور والجبن عليهن، ولا يؤمن ظفر العدو بهن فيستحلون ما حرم الله منهن». وقد ذكر ابن قدامة إشكال خروج عائشة - رضي الله عنها - وهي شابة، ورد عليه، فقال: «فإن قيل: فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج معه من تقع عليها القرعة من نسائه، وخرج بعائشة مرات. قيل: تلك امرأة واحدة، يأخذها لحاجته إليها، ويجوز مثل ذلك للأمير عند حاجته، ولا يرخص لسائر الرعية; لئلا يفضي إلى ما ذكرنا». وكل من خرجن مع رسول الله كن من كبيرات السن كأم سُلَيْم ونسيبة بنت كعب وأم عطية والرُبَيِّع بنت مُعَوِّذ، ونحوهن. ومن فرق بين جهاد الطلب والدفع فيرده أن رسول الله لم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه استنفر النساء في أُحد والخندق، مع أنهما كانتا من قبيل جهاد الدفع حينما وقع الهجوم على المدينة، وكذلك لم يستنفرهن في غزوة تبوك، مع أن النفير فيهكان عاماً؛ لأنه لم يكن في استنفارهن في هذه الغزوات مصلحة للمسلمين. وهذا في جهاد شرعي فما بالك بقتال غير شرعي وفتن لا يعلم المسلم طرفها. وخير دليل على تلك العقلية الصغيرة والعاطفة الجياشة غير الموضوعية أنهم منعوا المدارس في الرقة من تدريس الكيمياء والفلسفة، وكفى ذلك خذلاناً وبُعداً عن الشرع القويم الذي يشجع العلم والعلماء. والله من وراء القصد.

abnthani@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب