12-09-2014

الحرب الاجتماعية

عالمنا العربي في حاجة إلى حرب على بعض الممارسات الاجتماعية، ولم يعد من الصواب القول بتصحيح تلك الممارسات، فقد أضحت ظاهرة مترسخة، وهذه الممارسات لا تتفق مع حقيقة ثقافتنا ولا مع ما هو سائد من نمط اجتماعي في عصرنا الحاضر، ولهذا فلم يعد هناك خيار، وقد جربت معظم الأساليب التصحيحية والمتفاوتة، حتى أن تلك الأساليب أوجدت شيئاً من الصراع الاجتماعي الذي زاد الطين بلة.

بادئ الأمر، تلك الممارسات التربوية التي تنشئ الطفل على الاتباع دون تفكير، فيترعرع على نهج قد يقوده إلى الإيمان المطلق بما يقوله معلمه أو شيخه دون تفكير، وهذا قد يجره إلى مسالك خطيرة، وينابيع رديئة، فيقع في بؤر التطرف، وينزلق وراء التكفير، والإيمان المطلق بأنه على حق لأن ذلك قول من أرشده إلى الهلاك، وكلنا يعلم أن العالم قد تغير، وأن وسائل الحصول على المعلومة سهل وميسر، بينما كان الناس فيما مضى يصعب عليهم الوصول إلى المعرفة، حتى أنك لا تجد في بلدة عدد سكانها يزيد عن خمسة آلاف، إلا عدد قليل يمكنه القراءة والكتابة، وفي وضع كهذا لا بد للناس أن تعتمد على ذلك القارئ الذي لديه شيء من العلم، أما وقد تبدل الحال، وأضحى العلم لا يحتاج إلى ترحال، كما كان العلماء في سالف الدهر، فأصبح من السهل الحصول على المعلومات، فالمعلومة تخترق الأجواء، وتعبر البحور، لتصل على المرء في زخرفها، وحلتها، ومعها الكثير من الآراء، والتحاليل، مما يجعل الاعتماد على الغير شيء من الاتكالية والكسل، وكأن من يستقيه من غير أوعيته الحديثة، باحثاً عن شخص يصب في فمه الماء، ويضع الملعقة بين شفتيه، وهو لا يعلم ما بداخل تلك الملعقة.

هؤلاء الشباب الذين ذهبوا للحرب مع داعش، أو النصرة أو القاعدة من قبل ومن بعد، أو غيرها من الأسماء العجيبة الغريبة، هم ضحية ذلك النمط الاجتماعي الذي ظل ثابتاً في أذهاننا لا نحيد عنه حتى وإن كان مخالفاً لأسس الإسلام والرسالة التي جاء لأجلها.

لقد جاء الإسلام بعد أن بعث الله الرسول النبي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم لإخلاص العبادة لله عز وجل وعدم الإشراك به، ومن ثم القيام بالواجبات التي أوجبها الله على عباده، وهي ميسرة وبسيطة، صلاة، وصوم، وحج، وحسن معاملة، ومكارم الأخلاق، وبعد عن الخنى والرذيلة، ومن ذلك حسن الخلق وحفظ حقوق الناس، وجميع التعامل الحسن مع بني البشر، والحيوان، والنبات في السلم والحرب.

الحرب الاجتماعية، يجب أن تكون صارمة لانتشال المجتمع من الاتكال على الخلق، إلى الاتصال بالخالق، ومن الاعتماد على تأويل أصحاب الغايات، إلى الاتكال على رب السموات، وأخذ الحقيقة من منبعها الأصلي وهو القرآن الكريم، وسنة المصطفى عليه السلام، وكلها تدعو إلى الخير والسلام، والبر والتقوى، وحب الآخرين، والعدل، وعدم غمط الناس وأخذ حقوقهم، والزج بالشباب إلى الفتن للوصول إلى غايات غير نبيلة.

حرب اجتماعية على مفاهيم، مثل إيهام الرجل أنه قد وقع ضحية حب جنية، استماتت في الوصول إليه والدخول في جسده والتلبس به، أو وقوع جني في حب آنسة، فما كان منه إلا أن ألم بها وأصبح جزءاً من لسانها وجسدها، ومن ثم يذهب ذلك الواهم المسكين إلى عدد من المنتفعين، ليكيلوا له الضرب، والجلد، والرفس، والصياح حتى يخرج منه ذلك الظالم المتلبس، وربما يكون قد أصيب بمرض نفسي لسبب اجتماعي، يمكن للطبيب النفسي علاجه، ومن ثم شفاؤه، وقبل ذلك كله الاتكال على الله والتمسك بهدي رسول الله، وقراءة القرآن، خير من ضرب، ورفس، ذلك المنتفع.

وما قيل عن التلبس بالجن يمكن قوله عن السحر والعين، حتى إن السحر والعين أصبحا الأسهل لتحميلهما كل الأمراض، وكأن الله لم يخلق فيروساً ولا بكتيريا، وكأن الله لا يقدر الأقدار، وأن من توكل على الله فهو حسبه، وإنما يؤولون تلك الأمور إلى البشر، والجن، وقدراتهم الخارقة النافذة، ويا ليتهم يقرأون سورة الكهف، وما فيها من قصة السفينة التي أعطبت والجدار، الذي أقيم، والنفس التي أزهقت، حتى يتأكدون أن لله حكمة فيما قدر، وأن الله أعلم بمصالح عباده، لكن ذلك يحتاج إلى الاعتماد عليه، وثقة مطلقة في رب هذا الكون بما فيه البشر والجن وجميع المخلوقات، وهو المدبر والقادر والنافع والضار.

ألسنا حقاً في حاجة إلى حرب على تلك النماذج الاجتماعية، وهناك الكثير من الممارسات مثل عدم المبالاة، والفوضى، وعدم الإخلاص في العمل، وغيرها كثير.

مقالات أخرى للكاتب