15-08-2014

انتهاء المهمة

أستغرب أن يصر رئيس وزراء العراق السابق على التشبث بكرسي السلطة في ظرف كهذا، لا سيما أن الأغلب قد وضع في ذهنه أن فترتين من الحكم تكون كافيه لقيادة البلاد، ومن العجيب أن الحكومة في بغداد لا تسيطر إلا على جزء يسير من أرض العراق، فالجزء الأغلب في يد داعش، والآخر في يد الأكراد، والأغرب أن بديله أحد أعوانه، ومن حزبه وكتلته وتياره، لا مبرر أبداً وهو الذي وضع على الكرسي، ورأى واضعوه أنه قد أخفق في تحقيق آمال العراقيين، ومآرب غيرهم، كما أن الوضع الحالي خير شاهد على ذلك، فالزحف الداعشي ما زال مستمراً، ويزداد ضراوة واتساعاً.

كان من الحكمة أن يخرج غير خاسر، في ظرف عراقي لا يسر المرء أن يكون فيه مسؤولاً، وهو أكثر الناس معرفة به.

لو كان حصيفاً لرحب بغيره، وهو المنتمي لحزبه، ولاستطاع أن يملي جُل شروطه، ويختار الوزراء الذين سوف يخدمونه، أو ربما يشترط أن يبقى على واحدة من الوزارات المهمة، إن كان ولا بد أن يستمتع بشيء من السلطة.

ولقد لمحت الولايات المتحدة الأمريكية بأنه لا بد من التغيير الذي لا يقصي أحداً، وهذه إيماءة له بأن يعدل عما همّ به، كما أن مرجعيته الدينية قد قالت مثل هذا القول، والتزمت به سائر الأحزاب المساندة له، والأخرى المخالفة له في الرأي، ولكننا نعرف أن اللبيب بالإشارة يفهم، وحتى لو لم يكن أي إنسان لبيباً فإنه لا محالة سيدرك أن الإشارة موجهة إليه، وأنه هو المعنى بالأمر، لكن قد يكون الأمل الذي لا ينقطع عند بعض الساسة حتى لو قطعوا أوصال الأوطان، وأجسام الإنسان، سيظل ماثلاً أمام ناظريهم، لعل ظرفاً يتبدل، أو حدثاً يحل، فتكون فرصته سانحة، وهو لا يعلم أن فرصته قد تكون سانحة لو أنه ترك الأمر لغيره ربما ليعود لو عادت الأمور، وتبدلت الأحوال، وإن كان التاريخ قد سجل عليه الكثير من الأخطاء التي يصعب هضمها.

الولايات المتحدة، وإيران أعلنتا دعمهما لبديله وانتهى الأمر، لأنهما كانا الداعمان له، وإن جاز التعبير فربما نقول الواضعينه على كرسي الحكم، غير أنه لم يحقق الكثير مما يرومون، وإن حقق البعض منها، وفي نهاية المطاف بزغت داعش بسبب سوء الإدارة والإقصاء، وإبعاد فئة من المجتمع العراقي واتسعت حيث وجدت حاضنة اجتماعية كردّة فعل على فعله، رغم عدم قناعة الكثير منهم بمبادئ داعش الغريبة العجيبة القائمة على تقطيع الرؤوس والتهجير لجميع من يخالفهم في مبادئهم التي لا تنتمي لأي دين أو ثقافة أو عرف.

المسيحيون والازديون كانوا موجودين قبل دخول الإسلام الى العراق وغيره، وحفظ الإسلام دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وبقوا على دينهم لم يمسهم أحد بسوء، وذلك عبر قرون تعاقب فيها الحكام بأساليبهم المختلفة في الحكم من العهد الراشدي العظيم إلى دولة بني أميه، والعباسيين الذي جعلوا قاعدتهم العراق، وظل غير المسلمين في أمان حتى آخر يوم قبل سقوط مناطقهم وقراهم في أيدي الداعشيين.

ما تمخض عنه انطلاق داعش إلى الشمال أمر كان معلوماً للبعض وخفي عن الكثير، وهو أن الشمال الكردي خط أحمر لا تسمح الدول الغربية لأي جهة سواء داعش أو غير داعش أو حتى الحكومة العراقية بأن تمسه بسوء، فهناك عدد غير قليل من المستشارين، ومراكز لأمور أخرى ومكان مستقبلي لموضع قدم محدد سلفاً لإنجاز الكثير من المهام المتعلقة بالمنطقة، ونقطة جديدة أخرى لم تحدث من قبل، وهو التسليح المباشر للشمال وليس من خلال الحكومة العراقية، وهذه سابقة ربما تستمر، وحاجز قد تم كسره، ولابد من التفطن إليه.

أرسل المهلب بن أبي صفرة إلى الخليفة في دمشق أبياتاً من الشعر، عندما أحس بخطورة الحركة العباسية قال فيها:

أرى خلل الرماد وميض نار

ويوشك أن يكون له ضرام

فإن الـنار بالعـودين تزكي

وإن الحرب أولها الكلام

إذا لم يطفها عقلاء قوم

يكون وقودها جث وهـام

وهناك أرض عراقية، يسميها البعض متنازع عليها بين الحكومة المركزية والإقليم الشمالي، وعندما يتم حلها في صالح جهة معينة وبموافقة رسمية من الجهتين فربما يتم بعد ذلك أمر لا نتمنى أن يكون.

دول الخليج سعت وما زالت تسعى لأن تلمس من جيرانها وإخوانها ما تأمله، ليعيش الجميع في أمن وأمان، ورخاء وهي الدول التي تنفق بسخاء لا سيما المملكة العربية السعودية على أمتها العربية للمساعدة في الاستقرار والنمو، والبعد عن الاضطراب الذي أطلق عليه في عصرنا الحاضر ما يسمى بالربيع العربي، وكان وقوده البشر والحجر والاستقرار، فكان التهجير، والإبعاد، والقتل، والفتن، حمانا الله وإياكم، وأدام علينا وعليكم الأمن والأمان.

تذكروا أنّ الكثير منكم مسافر، وقد ترك أهله ومنزله آمناً مطمئناً يحول من المال ما يشاء ويتصل متى شاء، لا يخاف من غائلة غائل، وغدر غادر، فهذي نعمة يجب أن ندركها ونضعها بين أعيننا ونحمد الله عليها.

مقالات أخرى للكاتب