Friday 18/07/2014 Issue 15268 الجمعة 20 رمضان 1435 العدد
18-07-2014

عِبرٌ من البرازيل

غريب جداً أن تنهزم البرازيل من ألمانيا بسبعة أهداف، وعلى أرضها وبين جمهورها، وهو حدث لم يقع خلال تاريخها، لا سيما أنها أفضل المنتخبات قاطبة عبر التاريخ سواء من حيث عدد مرات دخولها لكأس العالم أو نيلها الكأس، وكذلك عدد لاعبيها المصدرين إلى العالم والبالغ أكثر من ستمائة لاعب، كما أنها بلدٌ أنجبت عبر التاريخ الكروي عدداً من اللاعبين المميزين الذين نالوا الكرة الذهبية، لكن المستحيل في هذه الدنيا لا مكان له، ولا غرابة في وقوعه.

ألمانيا بلد معروف في عالم الصناعة والمال والعتاد، والجد والاجتهاد، كما أن لها باعاً طويلاً في عالم كرة القدم، لكنها عبر التاريخ لم تكن تضاهي البرازيل، ومع هذا فقد فعلت ما فعلت وحققت المستحيل، والعبرة من ذلك الحدث الغريب العجيب أن الميدان هو الذي يحدد القدرات وليس الخلفية التاريخية أو التوقعات السابقة للحدث، وما يحدث في الميدان ليس بالضرورة نقص في الإعداد أو تأثر بغياب لاعب أو لاعبين مشهورين، وإنما يكون مرده إلى عدة عوامل وليس عاملاً واحداً، منها الاستعداد الجسدي والنفسي، واحترام الخصم، وإعداد العدة له، ليس إعداداً مسبقاً وحسب بل أثناء النزال والمقارعة، فألمانيا أفلتت من هزيمة تكاد تكون محققة على يد الجزائر، وهو الفريق الذي لم يتوقع أحد أنه سيصل إلى الدور الثاني، كما أنها تعادلت مع الفريق الأفريقي الآخر وهو غانا، وكلا الفريقين الجزائري والغاني ليس لهما باع طويل في كرة القدم العالمية كما هي البرازيل.

هناك عامل هام وأساس في هذه الدنيا وهو التوفيق، وإذا غاب التوفيق فلا ينفع التاريخ أصحابه، ولا المجتهدين اجتهادهم، قال الشاعر:

إذا لم يكن عون من الله للفتى

فأكثر ما يقضي عليه اجتهاده

نعم لقد اجتهد البرازيليون خلال مبارياتهم السابقة، لكنهم سقطوا سقوطاً مروّعاً في مباراتهم الأخيرة أمام المانيا التي جعلتهم يودعون هذا الحفل الكروي العالمي.

ما حدث للبرازيل، حدث لإسبانيا حيث خرجت مبكراً من البطولة، وهي صاحبتها قبل أربع سنوات، كما أن أنديتها كانت في الغالب في مقدمة الأندية الأوربية والعالمية، وقبلها فرنسا، وبريطانيا العريقة في كرة القدم، وقليلة الحصول على كؤوسها لهذا ما كان هو ما يجب أن يكون، ومن حصل على شيء فهو المستحق له، لأنه حصل عليه بتوفيق من الله له أولاً، ومن ثم باجتهاده.

الاجتهاد وحده لا يكفي إذا لم يصاحبه توفيق، سواء في ميدان الكرة أو غيره من الميادين، ولهذا فإن الارتباط بالباري عز وجل عندنا نحن المسلمين باب واسع لجلب التوفيق، وكم هو جميل من الناحية النفسية والاجتماعية والجسدية وحتى الاقتصادية لو أننا ارتبطنا بالله سبحانه وتعالى واعتمدنا عليه حتى يقع التوفيق، وفي الوقت ذاته اتبعنا تعاليم الإسلام الحنيف الذي يحثنا على الاجتهاد، والإتقان والعمل الدؤوب، والإخلاص - قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه).

كم هو جميل الارتباط بالله سبحانه وتعالى، وكم هو رائع أن ترفع يديك إلى السماء بقلب صادق واثق من الاستجابة لتطلب من الكريم تفريج همومكم، وبراءة أسقامك، وتوسيع رزقك، وكفاية شر خلق الله، وحماية الله لك، وإصلاح ولدك وزوجك، فالله قريب يجيب عبده إذا دعاه، ولا يفرق بين غني أو فقير، أو صغير أو كبير فأبوابه كثيرة، ورحمته واسعة، والله جل جلاله يحب العبد الملحاح وفي رواية الإلحاح، الذي لا ييأس أبداً - وقال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم (سيستجاب لكم إن لم تستعجلوا)، ولهذا فإن سؤال العلي القدير بثقة تامة أنه سيستجيب ستكون أقرب للاستجابة، بل أيقن لها وهو العالم بما في القلوب، ومن أحسن الظن بالله أعطاه، ومن أوكل أمره على عمله واجتهاده، أو كان غير واثق من الاستجابة أوكله الله الى نفسه، والبون شاسع بين الاعتماد على توفيق الله أولاً، ومن ثم العمل والاجتهاد، والقدرة.

من منا من كان لديه الاعتزاز بنفسه وربما ليس على ربه، فظن أنه قادر على إنجاز عمل ما، لا سيما إذا كان قد جمع له عدته، وأيقن أنه قادر عليه، ثم لا يلبث أن تكون النتائج خلاف ما يريد، لسبب بسيط، وأمر كان مقدوراً عليه.

الذين صنعوا الطائرات، أو القطارات ومركبات الفضاء، حسبوا كل صغيره وكبيره لتأمينها من الحوادث لأسباب بسيطة، يعلمونها، أو لأسباب لا يعلمونها وتظل مجهولة، وقد منحهم الله باجتهادهم أن يطير هذا العدد الكبير من الطائرات دون حوادث لكنه أيضاً بيَّن لهم أنه مهما يكن الاجتهاد دون توفيق فإن الإنسان يظل ضعيفاً أمام قدرة الله.

أليس في انهزام البرازيل بسبعه أهداف عبرة مثل سائر العبر التي نعيشها أو نسمع بها كل يوم؟.

مقالات أخرى للكاتب