15-09-2014

الحل السهل للخلاف حول أداء أعضاء الهيئة

«ثبت للجنة أنّ الفرقة قد باشرت ابتداءً مخالفة ليست من اختصاصها وهي الإنكار على الشخص الأجنبي لقيامه بالمحاسبة في المكان الخاص بالعوائل رغم وجود زوجته بالقرب منه، وهذا التنظيم من اختصاص إدارة السوق ورجال أمن السوق المكلفين بذلك».

هذا نص النتيجة الثالثة من عشر نتائج توصلت إليها لجنة شكّلتها الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قالت نصاً إنها: «تضم فضيلة مدير عام فرع الرئاسة العامة بمنطقة الرياض، وفضيلة رئيس هيئة مدينة الرياض، وفضيلة مدير إدارة المتابعة للتحقيق في ملابسات قضية شخص أجنبي وامرأة ظهرا في مقطع مصور، وهناك من يعتدي عليهما ويشتبه أنهم من رجال الهيئة».

هذه النتيجة سأنطلق منها كنقطة ارتكاز عامة يمكن أن تحل أزمة المساجلات التي تدار حول نشاط أعضاء الهيئة كلما ظهرت مشكلة في التعامل مع الآخرين؛ وهي التخصص. العاملون في كافة مؤسسات الدولة التي تتعامل مباشرة مع الناس في الشارع والأسواق كالشرطة والمرور والبلدية والصحة.. الخ، معروفة تخصصاتهم التي يتدخلون بها في حياة الناس؛ وإذا حدث تجاوز فغالباً لا يحصل جدال ولا مساجلات إعلامية، لأنّ الحالة متفق عليها بأنها خطأ. إنما مع الهيئة المسألة مختلفة لأنها غير واضحة فمن رافض ومن مؤيد ليمتد النقاش ويحتدم دون طائل.. فمن منا كان يدري أنّ المسألة أعلاه كانت من اختصاص إدارة السوق؟

لحل الإشكالية لا بد أن نعرف وبوضوح مهمتين .. الأولى هي اختصاص موظف الهيئة. والثانية مدى درجة صلاحيته عند مباشرة اختصاصه. الأولى تحدد الحالات التي يحق لعضو الهيئة التدخل، والثانية تحدد الطريقة التي يتدخل بها حسب الحالة: النصح، الإيقاف، الإبلاغ لجهات أعلى أو جهات أخرى كالشرطة أو المرور. نحتاج مثل وضوح الأمر مع رجل المرور عندما يوقف المخالف بالحالات العادية (هذه مسؤوليته) ويعطيه بطاقة مخالفة (هذه صلاحيته)، وإذا تجاوز ذلك فجميعنا متفقون بأنه أخطأ..

أغلبنا لا يعرف بالتحديد ما هي مسؤوليات عضو الهيئة.. الأمثلة عديدة: مثلاً: هل الشباب الذين يرفعون صوت الموسيقى ويلعبون بسيارتهم مزعجين الناس من مسؤولية المرور أم الهيئة؟ هل الشباب الذي يقومون بمضايقة العوائل بمجمع تجاري، من مسؤوليات موظف الهيئة أم موظف الأمن بالمجمع (السكيورتي)؟ وإذا كانت من تخصص موظف الهيئة فما مدى صلاحيته لمعالجة ذلك؟ كذلك الأمور الفقهية المختلفة عليها مثل إلزام النساء بالحجاب أم النقاب، ومثل نوع العباءة، ومثل مشاركة النساء في محفل ثقافي مختلط... هل من حق موظف الهيئة التدخل أم أنه لا حسبة فيما هو محل خلاف فقهي كما يقول الفقهاء؟ فماذا يقول نظام الهيئة، لأننا جميعاً علينا أن نخضع للنظام، وقد نناقش بعدها سلامة هذا النظام، لكننا سنتجادل طويلاً إذا كنا لا نعرف ما يقوله النظام..

الطريقة المناسبة لمعرفة مسؤوليات موظف الهيئة هي إصدار ونشر كتاب أو كتيب من الهيئة يحدد بوضوح مجالات اختصاص وصلاحية عضو الهيئة، لنكون على بينة ويكون مرجعاً لنا ينهي هذا الموضوع المزعج والمربك. فكثير من المجادلات التي تحصل بين عضو الهيئة والطرف الآخر هي عدم وضوح ومن ثم عدم الاتفاق على مسؤولية العضو، أو على درجة صلاحيته لهذه المسؤولية..

عدم وضوح الأنظمة هنا يؤدي إلى اجتهادات فردية حسب نوعية موظف الهيئة الذي قد يجتهد ويتدخل برأيه في مسائل خلافية، رغم أنه من المتعارف عليه بين الفقهاء في نظام الحسبة في الإسلام بمسألة المنكرات أنه «لا إنكار على خلاف»، بمعنى أنّ المسائل الخلافية بين المذاهب كالحجاب لا يُفرض بها رأي مذهب على آخر، فلا يجوز للموظف المتحمس أن يفرض فهمه الخلافي الخاص على الآخرين.

كما أنّ وضوح الأنظمة سيلغي ازدواجية الصلاحيات، فكثير مما نظنه من صلاحيات جهاز الهيئة هي من صلاحيات أجهزة أخرى، كالمثال السابق بالمقدمة. ولعل أبسط الأمثلة هي مكافحة المخدرات المنوطة بهيئة مكافحة المخدرات. فأصحاب التخصص الأصلي هم أولى وأكثر فهماً وتنظيماً وجاهزية، خصوصاً في مسائل مداهمة أوكار الجريمة وما يتخللها من مخاطر جسيمة تتطلب أناساً مدربين ومؤهلين لهذه المهمات التخصصية الصعبة.

بقي ما يشكو منه البعض من التضخيم الإعلامي لأخطاء أعضاء الهيئة، بينما الخطأ مسألة بشرية تحدث بأي جهاز رسمي آخر، فلماذا التركيز على الهيئة بالذات؟ الشكوى لها مسوغاتها في بعض الحالات، لكن في تقديري أنّ الخطأ هنا مختلف تماماً، وموجع لأسباب عدة.. منها أنه يأتي من أشخاص يدافعون عن الفضيلة التي يُفترض أن يكون الدفاع عنها بالمعروف وليس بالقسوة.. ومنها أن هؤلاء الأشخاص يتدخلون في سلوكيات أناس بنمط حياتهم، فعليهم أن يكونوا حذرين جداً أكثر من أي جهاز رسمي آخر، لأنّ الخطأ هنا وإن كان غير مقصود، فهو بمثابة اعتداء فادح في نظر المتضرر، كالتشكيك في صلة زوج بزوجته، فهذا ليس مجرد خطأ بل مصيبة في مجتمعنا، على خلاف أغلب الأجهزة الأخرى حيث الخطأ يُنظر إليه على أنه سوء بالتنفيذ وليس بالاتهام..

لنأخذ مثلاً تجاوز رجل أمن بالضرب تجاه أحد الشباب المخالفين بالملعب الذي ظهر مؤخراً باليوتيوب، لم يركَّز عليه مثل خطأ رجال الهيئة المذكور بالمقدمة، لأنّ الخطأ الأول من اختصاص رجل الأمن لكنه أخطأ بالتنفيذ ومتفق على خطئه، حتى أنه نفسه اعترف بالخطأ بحجة أنه تم استفزازه، بينما الخطأ الثاني ليس من اختصاص رجل الهيئة لكن هناك من يدافع عنه ويرى أنه من صلاحياته، ومن هنا حدث لغط ومساجلات مثيرة.. وأيضاً لأنّ موظف الهيئة يفترض فيه الأمر بالحسنى. السبب الأخير يقودنا لمسألة اندفاع بعض شباب الهيئة الغيورين في أدائهم بأسلوب يؤدي إلى عكس ما يرغبون به من إصلاح أو إلى نتائج وخيمة. وذلك يتطلب تدريب بعض أعضاء الهيئة على التعامل مع المواقف الحرجة التي تحتاج لحسن تصرف ولباقة..

الخلاصة أنّ وضوح النظام الذي يحدد تخصص وصلاحية عضو الهيئة، سيزيل الخلاف والتوتر غير الطبيعي تجاه ما يحصل من أخطاء ليتم التعامل معها كأخطاء بشرية طبيعية تحدث في كافة الأجهزة الرسمية الأخرى.. ومن يعترض على بعض الأنظمة فمجاله رحب للمناقشة بعيداً عن الصخب المصاحب لحالات التصادم المثيرة لشهية الإعلام..

alhebib@yahoo.com

مقالات أخرى للكاتب