17-09-2014

التاريخ عدونا الحبيب!

1. المجتمعات المهزومة التي تحمل ثارات لم تخمد نيرانها بعد تُعلِّم أبنائها التاريخ على أساس أنه تذكير وتحذير وتأليب حتى يتخذوا موقفاً تجاه الآخر.. إما موقف عدائي يدعوهم للثأر أو موقف تفضيلي يضعهم أفضل من غيرهم.. أي أن التاريخ لا يُدَرَّس للاستفادة من دروسه وعبره وإنما يدرس حتى لا تنسى من كان عدوك قبل ألف عام.. بمعنى أن التاريخ صار وسيلة لإبقاء الأعداء السابقين أعداء في الحاضر والمستقبل.

2. وحتى يظل التاريخ هو المسيطر على الحياة والأحكام فقد ظهرت أقوال لا تمت للواقع والحقيقة بصلة كقولهم: من لا تاريخ له لا حاضر له ولا مستقبل!.. وهذا القول مناف للحقيقة تماماً ومع هذا هناك من العقلاء من يردده.. ولبعضهم في ذلك حكمة وهي أن مجتمعنا العربي اليوم يرزح تحت إرث من الانكسار والهزيمة منذ سقوط الدولة العباسية حتى اليوم.. لذا فهم بهذه الأقوال إنما يواسون أنفسهم ويحاولون إبراز أننا كنا يوماً ما مجتمعاً منتصراً.. المشكلة أن العيش تحت ذاكرة الماضي واسترجاعه في كل صغيرة وكبيرة والمبالغة في جعله جزءاً من العقيدة التي لا تُمس ولا تُحاكَم ولا تُحلِّل ولا يُبْدى فيها رأي أو قول أو وجهة نظر حَوَّل التاريخ إلى كارثة يعاني منها حاضرنا وسيدمر مستقبلنا.

3. التاريخ اسْتُخدم كأداة للتأليب والتحفيز وكراهية الآخر والتذكير بالماضي والتحذير من المستقبل والتسلية عن الحاضر والتوجع على ما فات.. أي أن التاريخ تم توظيفه كوسيلة للكذب والمبالغة والتبرير وتطمين النفس للاستكانة بالواقع ورفع الروح المعنوية بالوهم وبانتصارات أجداد الأجداد.. ولحماية هذا الفكر السائد فإن المجتمعات المنكسرة تنزع نحو تصنيم التاريخ وتاليه رجالاته وتقديس أحداثه.. ويتعاملون معه كأنه سيرة ذاتية يجب تنزيهه بتعديله أو بإطفاء بعضه.. بل إن من مفكرينا العرب المعاصرين (محمد قطب في كتابه كيف نكتب التاريخ) يدعونا إلى كتابة التاريخ كما يجب أن يكون وليس كما حدث فعلاً وذلك من خلال الانتقاء والتأويل؟!

4. هل يجب علينا نحن العرب مغادرة التاريخ حتى نحصل على ما نبتغيه في هذا العالم المعاصر الحديث؟.. فالقتل والتدمير والتبرير والكراهية والرفض والطائفية والتفرقة والجحود والإقصاء والعنصرية والنظر إلى الخلف كلها بسبب تقديس التاريخ.. فلندعه وشأنه ولننظر إلى الأمام، حيث مستقبلنا ومستقبل أبنائنا.

مقالات أخرى للكاتب