كتاب أدبي رمزي:

كان اسمه الغد رموز في غياب النص

تأليف

الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي

تقريظ

محمد بن ناصر العبودي

أهدى الدكتور المؤلف إبراهيم بن عبدالرحمن التركي كتابه إلى أسرته وهي والده عبدالرحمن بن علي التركي العمرو، وأمه موضي الصالح العبدالعزيز الرعوجي رمزاً لحدب، وعنواناً لحب، وأملاً في رضا ونموذجاً مشرقاً بالعطاء والرخاء أمام أولاده هتون/ تالا/ يزن/ شدن، ليدركوا معنى الخصب في زمن الجدب.

وكأنما استعاض بهذا الإهداء عن كتابة مقدمة للكتاب فلم يكتب لكتابه مقدمة، بل قال:

من غير تقديم

- أعتاد أن يُفدٍّم.. ولم يرغب أن يُقدِّم..!

- دون (غطاء) أو (احتفاء)- لقد قالها.. وبقي مَنْ يُقيلها..!

إبراهيم

والواقع أن (أبا يزن) مؤلف هذا الكتاب ليس بحاجة إلى تقديم فهو من مشاهير الأدباء في بلادنا، وهو مؤلف طبع له من المؤلفات التي رأيتها 9 كتب غير هذا الكتاب، وقد ذكرتها وتكلمت عليها في (معجم أسر عنيزة).

إضافة إلى المقالات الأدبية الكثيرة، وإشرافه على إصدار المجلة الثقافية التي تصدر عن جريدة (الجزيرة) في يوم السبت من الأسبوع.

وأول فصول الكتاب:

فصل في كسور المثقف..!

قال تحت هذا الفصل:

تتشابك عوامل الفرز والتحليل فلا ندري أين يكمن الحق! (ص11).

وبعده هذه المقطوعة الشعرية:

الماء لا يعنيه لونُ السراب

والغيم لا يخفيه شكلُ الضباب

نحن بلا معنى إذا قادنا

نحو العُلا من أشغلته الرباب

نحن بلا معنى إذا صوّحت

غراسنا فهي هباء يباب

من رام جهلاً أورماه الهوى

فقد رأى الدّوح شبيه الخراب

حياتُنا يا صاحبي لمحة

ومن وعى لم يستكن للرِّغاب

عِش إن تشا فالعزُّ لا ينحني

لمن أذلته كسور الحساب

كتاب من الأدب الرمزي:

لو جرى بحث في الأدب الرمزي الراقي في بلادنا لكان هذا الكتاب هو الفائز في ذلك البحث.

فهو من الأدب الرمزي العميق- إن صح أن في الأدب الرمزي عميقاً وغير عميق.

وأول رمزيته وعمقه عنوانه، فهو:

(كان اسمه الغد)، فالقاريء الذي يرى العنوان لا يعرف اين يعود الضمير في كلمة (اسمه).

مع أن المؤلف يريد بذلك ما نحن فيه من الزمن، يقول: ذلك كان اسمه الغد.

أي كان في وقت الآمال المتطلعة بالنسبة إلى المؤلف وإلى القارئ المهتم (غد العالم العربي) أو العالم الإسلامي غدا.

فلماجاء الغد، وجده لم يتغير عما قبله، فعجب من أن الذي كان اسمه الغد يكون كالحاضر أو كالأمس.

ورمزية الكتاب لا تحتاج إلى دليل حتى في التعبيرات، فهذا العنوان بلفظ:

(فصل في كسور المثقف) واضح أنه رمزي، رمزيته ظاهرة.

ويحتاج القارئ إلى أن يعرف المراد بكسور المثقف أهي عمله في كسور يعملها أم المراد كسوره جمع كسر التي انكسر فيها وبها.

وتحت هذا العنوان عبارة: (تتشابك عوامل الفرز والتحليل) فلا يدري كسور المثقف أين يكمن الحق في ذلك.

وربما كان المؤلف الكريم يرمز بهذه العبارة عن بعد إلى السؤال الافتراضي الذي يسأل فيه عن العنوان (فصل في كسور المثقف).

والفصل الثاني (ص15) بدون عنوان إلا رقم (4):

(4)

- الحوارُ معهم مختلفٌ كاختلافِهم..!

- يسمون أنفسهم تنويريين، ويصِمُون سواهم بالظلاميين، وينعون عليهم أحاديَّة الفكر والتوجُّه، ويرفضون الجمود والتفرد..!

- لهم مشيئتهم كما لسواهم لولا أن (شهابَ الدين أسوأ من أخيه)، ومن (انتقد نُقد) و(مَن اتَّهم اتُّهم)!

- سأل بعضهم- بفتح الضاد- صاحبُكم- بضم الباء- في لقاء خاص مغلق يفترضُ فيه قول الحق بلا مزايدة ولا تخوف:

- أفئذا تبدلت المواقعُ، وملكتم ما يملكون، فما عساكم صانعين..؟

- ولم يترددوا في التأكيد على إسكات أصوات أولئك فلا مجال لاعتام داخل وسائط إعلامهم..!

- هكذا إذن، والقضية، كما تبدو تربة خصبة لتربية ضَيِّقة ترى تحتَ أقدامِها، ولا تستطيعُ قراءة الإشارات والتحولات، ولا تفهم لغة الخلاف والاختلاف، ويظلُّ التخبيط سائداً لدى هؤلاء، كما هو لدى أولئك، وكما النساء يجيء الرجال فلا فرق بين وعيهم وعيِّهم، أو بينَ ثائرهم وسادرهم، والمؤدى تبديل في المواجهة، أو تلاعبٌ في الأشكال..! (ص15).

انتهى.

وهكذا جال الأديب الرمزي، لا يكون رمزياً فيأتي بعبارات واضحة ولكن في داخل الرمزية.

ثم ينتقل المؤلف الكريم بأسلوب راقٍ فيه من الرمزية ما فيه، وفيه من الوضوح كثير فيما يتحدث عن علاقة بين صديقين (ص6).

(6)

- حين امتدحكُ فأنا صديقك، وإذْ انتقدك فأنا متحيِّزٌ، تائه، إفرازٌ لعوامل خارجية تأجرك فتنقاد معها لتقول ما لم يُقل..!

- هكذا نحن أفراداً، أو نموذجاً جديداً يتجاوز الملامح المحدودة إلى صورٍ أشمل تتهم الوسائل المختلفة التي تعطي رأيها متجرداً بالارتماء في أوساط الأعداء والحاقدين..!

- نبحث عن التصفيق، ونجده، ثم لا نكتفي به، بل نطلب من الجميع أن ينضموا إلى الجوقة، وفي العرف أنها فرقة لاتمتدُّ مكوناتها، أو جمعٌ من البشر لم يشهد التاريخ بكل أمدائه زيادتهم عدداً، مُفسحاً لسواهم من الجوقات أن يطلبوا، لراقصيهم، وآذاناً في حكمه ومحاكماته للمتفرجين المحايدين أن يعبِّروا بأصالةٍ وحرية، عن مقادير الميَل والتمايل، وأسباب التطاول والتجاهل ونقاط الحقيقة والتحايل..!

- مشكلة هؤلاء أنهم يلبسون ثياب الموضوعية والنزاهة، حتى إذا وجدوا ما يُكدِّرُ مصالحَهم أو ما ينشد سلبياتهم بدؤوا في قذف الحجارة مؤمنين بأن منض ليس معهم ضدٌّ وعدوٌ لهم، وحسبك من نزاهة اقتصارُها على استماع المناقب وإغفال المثالب..!

ويواصل المؤلف الأديب العميق الفكر، الرمزي الأسلوب فيورد مقطوعة من الشعر المرسل، أقل رمزية من أسلوب الكتاب.

هذا نصها (ص21):

(1)

- رآه فأوجسَ منه الوجل

اعدَّ،، ومدَّ..

فهذا الأوان لمَنْ

زاد عدَّا..

هو الواحد اليومَ

أصبح فردا

ونحن جميعٌ إذا ما استعدَّا..

- مضى ومضوا..

فالمساءُ الأجل

ومن ظُنَّ رقماً

أطاح البطل..

له النصرُ يوما..

له الليلُ دوماً..

متى الفجر..؟

حين

يموت الأمل..!!

ويواصل المؤلف الكلام الرمزي الذي يحتاج إلى ذهن لاقط وعقل مميز لكي يصل إلى المقصود منه، فيقول (ص 23).

حاول الفلاسفة المحدثون إيجاد نظريات تتجاوز المعلومة الموثقة المرتبطة بالتكوين البيولوجي للإنسان إلى تركيبته النفسية والذهنية والعاطفية، خلاصتها أن الإنجاز وليد التحدي، وأن الفعل مرتبط بإشكالات عدم الفعل، والبدايات إفراز النهايات.

(4)

ونواصل نحن مع المؤلف العميق التفكير ما واصله في كتابه (كان اسمه الغد) فنراه يقول:

(5)

) أشار (أوجبرن) إلى ظاهرة «التخلف الثقافيCultural Lag « وعزاها إلى التناقض الذي يعيشه الإنسان مع مجتمعه أو وجوده أو عالمه مما يجعله رهناً لأنماط متضادة من التفكير والتقرير، وهو بذلك مضطر إلى تصرفات لا يؤمنُ بها، تقوده وغيره إلى تمزق يخلصُ منه نفرٌ إلى مواقف إيجابية نحو إعادة بناء أنفسهم وثقافاتهم، وينكفئ الأغلبية على ذواتهم ليظهر الصراع في دواخلهم، ويجدون متنفساً حين يعشى الرقيب، أو تغيب القيم في مجتمعات أخرى أو مع جماعات متمردة أو رافضة..! (ص23).

وبعد فصول قصيرة يصل بنا المؤلف أو نحن نصل بصحبته إلى (السراب في تيه السراب) ويأتي الاستفسار عن السراب وهل يكون في السرى الذي هو السفر في الليل (ص27) إلاَّ إذا أراد المجاز في اجتياز الفكرة بهذا المجاز.

ونجد بعد العنوان تساؤلات كالعادة من الشعر المنثور الذي هو رمزي بحت (صورة ص 29).

ويذيل على ذلك فينقل فقرات إحداها عن جبران خليل جبران وعن المنفلوطي وبيتين للمتنبي هما (ص30).

السُرى في تيه السرَّاب..!

وقت يضيع، وعمر ليت مدتُّهُ

في غير أُمته من سالف الأمم

أتى الزمان بنوه في شبيبته

فسرِّهم، وأتيناه على الهرم

ندرس التاريخ/ الحكاية، ونفهم التاريخ/ السلطة، ويهمنا التاريخ السائد!

ويورد من نظمه أبياتاً من الشعر المرسل وهي واضحة المعنى، لأنه أراد بها أن توضح بعض ما هو رمزي، وهي (ص29):

) من يقول الحق

من يروي حكايات المساء..

من يغني الصبح

في غيم الفناء..؟

) من لما كان..؟

وما يأتي..

وما ضمّ الفضاء..؟

) من لنا

إن لم نقل..؟

) مالنا

إن لم نصل..؟

) ما بنا

إن ضاقت الأرضُ

أو ازداد الخوا..؟

ونعود إلى (ص24) حيث يناقش المؤلف الفلاسفة بأسلوب فلسفي رمزي، فيقول مثلاً مما يقول:

) هكذا النظرية التي لا تكتمل إلا بالتطبيق، وهو ما يجعلُ الكلامَ مجرداً، والأحلامَ خيالاً، والأمل سرابا..! ولو لم يكن ذلك لعاش الناس حياة الجمال والجودة والإنجاز.

) إن المعادل الحقيقي للرؤى الفلسفية المجردة اختبارها على أرض الواقع، ومعرفة مدى قربها أو بعدها منه، ولهذا فإن كثيراً من الفلسفات المجردة فشلت في تكوين عالم ملموس يستطيع الصمود والتجاوز وسط التنافس الكبير بين غلبة السائد الراكد وطموح الفكر المنطلق..!

) لم يستطع (كارل ماركس مثلاً النجاح في تكوين مُركَّبٍ مزجيّ يبين الطبيعة المادية والتفاعل الإنساني ووضَّع أساسا لقيام مجتمع إنتاج قوي وقويم، وكانت المحصِّلة نظاماً هشاً تداعى أمام صراع الحضارات التي لم تكن جميعها بحجم قوته وتعدد قنواته..!

) وكان من أفكار (جان بول سارتر) أن الإنسان يصنعُ وجوده حين يقذف بنفسه إلى المستقبل، مما يؤدي إلى تمكنه من صياغة وصناعة التاريخ، وهو بذلك يوافق ماركس الذي يرى أن مهمة الفلاسفة هي تغيير العالم وليس مجرد تفسيره.

) ولعلهما قد أغفلا نقطة مهمة وهي أن التاريخ يبدأ من الذات، وأن الهم تراكم الهُوَ، والنحنث تجمع الأنا، وأن الفاتحة إنسان يحتاج إلى التحفيز من أجل كينونة مستقلة لأهدافه الخاصة تتكامل مع الأهداف العامة، وتصوغ جميعها مخرجات الحضارة الإنسانية.

انتهى.

ونحب أن ننقل بعض العناوين الشيقة التي هي رمزية قليلة النظير في أدبنا المعاصر مثل:

(الوهم والمعنى المضاد) ص41.

ومثل: (رموز في نقطة الدائرة).

ومثل: (مصاعب في الزمن السهل) ص71.

و(توطئة لما لا يجي) ص79.

وتحت كل عنوان من هذه العناوين العجيبة ألوان من النصوص القصيرة والأفكار العميقة والرموز التي تحتاج إلى عقول مفكرة وإلى خيال خصب يحجزها عن الهروب من عقلك حتى تتم احاطته بها.

وتستمر النظرة في هذا الكتاب الذي بلغت صفحاته 351 صفحة وقد تتعدد النظريات في تفسير بعض رموزه.

وعلى الجملة فإنه فتح جديد في الأدب الرمزي العميق، في زمن انهالت على القراء فيه مؤلفات تافهة حاول أربابها أن يوضحوها وهي واضحة من غير محاولتهم.

وقديماً قيل: (اشكل المشكلات توضيح الواضحات) فإذا كان الأمر كذلك يكون في توضيح الرمزيات لعقول لم تعرف الواضحات؟

ويضع هذا الكتاب من الأدب الرمزي مؤلفه (الأستاذ إبراهيم بن عبدالرحمن التركي) في قائمة عمالقة الأدب السعودي إن وجد الأدب عندنا من يقومه ويفرز ممتازه من أدرانِ غيره.

وفي الختام ننقل من صفحة الغلاف الأخير بعض التعريف بالمؤلف حفظه الله.

المؤلف:

) ولد في عنيزة ولاتزال تسكنه، وإن نأى سكنه عنها..

) درس في (جامعة الإمام) ثم جامعة (سان دييغو) الحكومية في ولاية كاليفورنيا الأمريكية.

) يحمل بكالوريوس جغرافيا، ودبلوماً عالياً في الدراسات الاجتماعية، وماجستير في تقنيات التدريب والتعليم.

) عمل في مصلحة الإحصاءات العامة عدة أشهر، وفي مدرسة (معهد الإدارة) مدرّباً ومحاضراً، ومدرّساً، ومديراً عاماً لإدارات مختلفة.

) حضر العديد من المؤتمرات والندوات العلمية العربية والعالمية، وقدم أوراقاً وبحوثاً في بعضها، كما أن له بحوثاً محكمة منشورة في مجلات علمية.

) تفرغ عام 2000م للعمل في القطاع الخاص، نائباً للمشرف العام، ومديراً عاماً لمدارس (رياض نجد).

) إذاعيُّ وكاتبٌ ومديرُ تحرير للشؤون الثقافية في صحيفة الجزيرة التي احتوت فكره فاستحقت شكره.

وقد ذكرت أسرته (التركي) في (معجم أسر عنيزة) تحت رسم (التركي) في حرف التاء ورسم العين (العمرو) لكونهم متفرعين من أسرة (العمرو).

كتبه - محمد بن ناصر العبودي