22-09-2014

غداً.. الذكرى الرابعة والثمانون لتأسيس كياننا!

تحتفل بلادنا الغالية غداً الثلاثاء بالذكرى الخالدة الرابعة والثمانين لتأسيسها على يد بطلها الأغر جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-، ومناسبة جليلة القدركهذه، عالية الذكر، سامية الذكرى، لا بد أن تتحرك المهجُ المخلصة شكراً لله الذي مكّن لإنسان هذه البلاد الطاهرة أن يشهد ولادة وحدة بلاده بعد طول شتات، استصحب معاناة الخوف والجوع والمرض والفتن، ما ظهر منها وما بطن!

* * *

كان سيدي الوالد، أكرم الله مأواه، يحدثني بين الحين والآخر حديثَ الشاهد على عصره، فيقول: لم يكن الواحد منا يا بنيّ قبل حلول عصر الوحدة، يأمنُ على نفسه ولا على ماله أو عرضه، من فتنة الخوف في الصحاري والجبال والبيدِ الموحشة التي (يتقاسم) فيها الإنسان (العيشَ) الزهيدَ مع الوحش الكاسر، كان يخشى ألاّ يكمل ليله بسلام، وإذا أصبح، كان هاجس الخوف من حلول المساء بعد ساعات يقف له بالمرصاد، وهكذا، يمضي يومه وليله يَصْلى لظىَ الخوف والقلق بين الأمل واليأس! وبعبارة أدق، بين الموت والحياة!

* * *

وحين يكون والدي وحيداً في رحلة البحث عن الزاد عبر صحراء نائية عن الحياة والأحياء، يرافقه ذلك الهاجس المخيف حتى مع وجود (خوي) له أو مرافق أو دليل يحمل سلاحاً، لكنه لا يأمن له جانباً في كل الأحوال، ثم يمضي سحابة ليله بعينين يعصرهما الوهن والخوف معاً! وكانت سلوتُه الوحيدة إذا كان البدر كاملاً، تأملَ النجوم السيارة في عرض السماء، ومن ذلك اكتسب معرفة أسمائها ومداراتها!

* * *

باختصار، كان إنسانُ الصحراء في جزيرتنا العربية وعبر تلك الفترة العصيبة من عمر سيدي الوالد رحمه الله.. لا يأمن غدر الصحراء، بجوعها وعطشها وكواسرها، فإذا أصبح خشي ألاّ يدركه المساء، أو يدرك هو المساء، خوفاً من المجهول!

* * *

وفي سياق تلك الروايات التي كان سيدي الوالد يسردها على مسامعي، كنت أستعيد في خاطري طيف (مشهده) رحمه الله وهو مستلق على (زهابه) من فراش أو متاع، محتضناً سلاحه بين يديه، يداعب الزناد خوفاً من (حناشل)الصحراء، فيما يصارع الكرى وغلبة النوم واستسلام جسده لذلك! مردّداً آياتٍ من كتاب الله العزيز عسى أن تطمئنَّ بها نفسُه فتخشع عيناه سباتاً بعض الوقت!

* * *

ذلك كان حال جزء من جزيرتنا العربية قبل إتمام مشروع الوحدة الخالدة على يد المؤسس العظيم (أخو نورة) الذي أسَرَ العقول والخواطر دهاء في الرأي، وصلابة في العزم، وشجاعة في القرار، كانت موارد الدولة (تحت التأسيس) قليلة، فاتكأ على دعم (الموسرين) من أبناء ذلك العصر المؤمنين بمشروعه العظيم، لتوحيد أطراف البلاد المرزوءة بالفتن والأوبئة التي لا تكاد تغيب حتى تعود، لتهلكَ الناس، وتصادرَ من النفوس الخائفةِ إرادةَ الحياة!

* * *

وبعد..،

فمهما كتب المؤرخون من شرق ومن غرب عن سيرة فارس جزيرة العرب عبدالعزيز بن عبدالرحمن، فلن يوفوه حقه، ذكْراً له، وتذْكيراً به، وإشادةً بما فعل منذ كان في ربيع العقد الثاني من عمره، مرافقاً لوالده الإمام عبدالرحمن بن فيصل رحمه الله في الكويت وفي سواها، حتى كتب الله له النصرَ على أعداء مشروعه العظيم، وتكون النتيجةُ ولادةَ دولة جديدة في قلب جزيرة العرب تؤمن بالله وكتابه وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.

* * *

وفي الوقت نفسه، تتواصلُ وتتعاونُ مع معظم دول العالم، غربيّها وشرقيها، ضمن منظومة الاحترام المتبادل والتعاون المثمر، خدمةً للمصالح المشتركة، فيما يكرس الجزء الأوفر من جهوده ومَنْ معه لتحقيق حلم النقله المباركة من ظلمات الخوف إلى واحة الاستقرار.

مقالات أخرى للكاتب