22-09-2014

ننهى عن المنكر بما هو أنكر منه!!

فجرت قضية اعتداء رجال الحسبة على رجل بريطاني الجنسية في أحد المراكز التجارية مطلع الشهر الجاري، حالة جدل واسعة في أوساط المجتمع السعودي، وفتحت ملفاً قديماً يتسم بكثير من السخونة والجدلية، لتجاوزات الهيئة ومخالفاتهم أثناء أداء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المراكز التجارية أو الشوارع العامة، أودت بحياة البعض أحياناً كما شاهدنا في قضية مطاردة بلجرشي قبل أكثر من عامين، ومطاردة اليوم الوطني التي أدت إلى مصرع الأخوين ناصر وسعود القوس، دون أن ننسى حادثة مطاردة المدينة وتبوك وغيرهما.. وحين نتابع الغاية خلف «مطاردات الموت» تلك نجد أنها ذات غاية سليمة وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحافظة على فضيلة المجتمع ونقائه -ولو كان عبر المراقبة والوصاية-، ولكن الوسيلة لتحقيق ذلك الهدف قد تتحول بين عشية غفلة وضحاها، إلى منكر أشد وقعاً وسوءاً مما نسعى عن النهي عنه بمراحل عديدة.. وقد تصل خطورة تلك المرحلة إلى أن تودي بحياة الناس وتجعلهم يدفعونها ثمناً لمنكر ارتكبوه.. فمثلا حينما نتتبع بدقة بعض المنكرات التي لاحقها جهاز الهيئة وحرص (بطيب نية) إلى إيقافها، كالخلوة غير الشرعية، أو تشغيل الأغاني والرقص على وقعها في مناسبة كاليوم الوطني، أو الوقوف في كاشير غير مخصص إلا للعائلات، انتهى السبيل إلى مخالفتها بالضرب والاعتداء الجسدي أو المطاردات المثيرة التي أدى بعضها إلى انقلاب المركبة وتحطمها ووفاة أو جرح من فيها.. فندرك أننا أمام أزمة حقيقة في تقدير المنكر والاستماتة لإيقافه مهما كلّف الثمن.. فكم هو مؤلم أن تتحول غايتنا في تطهير مجتمعنا من الرذائل والمنكرات، إلى عملية خطرة محفوفة بالعنف والدم، وتصبح شعيرة الأمر بالمعروف خالية أحياناً من تعاليم الدين السمحة التي كبرنا ونحن نسمعها كقوله تعالى.. {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (159) سورة آل عمران. هذا وهو يخاطب نبيه عليه السلام وخاتم رسله.. فكيف ببشر يخطئون ويصيبون؟! وتمسى أخطائهم وتجاوزاتهم بحق المجتمع إلى فضائح إنسانية يروج لها بمنشيتات صحفية مثيرة وهاشتاقات توتيرية غاضبة.

الجدير بالذكر أن رئيس الهيئات قد صرح أكثر من مرة وعبر منابر عدة بحظر المطاردات، لكننا نشهد مخالفة لتلك التعليمات كل فترة، أي أن من يسعى لدرء المنكر يمارس عصيان ولي أمره ورئيسه في العمل وهذا منكر أيضاً.

الله سبحانه وتعالى وصى أمته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يخص بها شرطة دينية أو جهاز مراقبة اجتماعي.. ولعلمه جل جلاله بنفوس عباده التي قد تمارس شكلاً من أشكال الفرض والغلو والقسوة في إثبات أمر أو محاربته، ذكر في أكثر من موضع أهمية الرفق والعفو والرحمة {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} (22) سورة الغاشية، {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (125) سورة النحل. لكن مازال البعض منا بالرغم من تلك التعاليم الإلهية العظيمة، وسواء كان ينتمي لمؤسسة معنية بهذا الأمر أم لا، يمارس الفرض ويتخذ العنف والإقصاء منهجاً في إرسـاء مبادئ الفضيلة في المجتمع.

أخيراً.. وللأمانة.. هناك نماذج رائعة ومشرفة من رجال الحسبة تمثلت بروح الإسلام الحقيقة في اتباعها الرفق واللين في النصح والتوجيه، ما ترك أثراً طيبا ورغبة صادقة في الامتثال إلى النصح بدلاً من النفور منه.. فكم نحتاج أن ندرك أن الوسيلة توازي الغاية أهمية إن لم تكن تفوقها تأثيراً.

Twitter:@lubnaalkhamis

مقالات أخرى للكاتب