26-09-2014

حين تذوب الحروف في حب الوطن

(الوطن).. هذه المفردة التي تذوب الحروف فيها، وتهيم العبارات عشقاً في كل تفاصيلها، إنه وطني الحبيب المملكة العربية السعودية.. هذا الوطن الذي نحتفل هذه الأيام بذكرى تأسيسه الرابعة والثمانين، والذي أصبح -ولله الحمد والشكر- رقماً صعباً على خارطة العالم: دينياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً وسياسياً بعد أن أنعم الله عليه بالخير الوفير والقيادة الواعية التي استثمرت هذا الخير لإسعاد المواطن في هذه البلاد بمشاريع عملاقة، وبتطوير مستمر لا يهدأ ليتسنم المجد والرقي بين شعوب العالم، وعمل دؤوب لرفاهية المواطن وراحته، وفي ظل أمن وأمان يشهد به العالم وكل من عاش على تراب هذه الأرض، علينا جميعاً أن نحمد الله -عز وجل- على هذه النعمة، وأن نكثر من شكر الله -عز وجل- على ما أكرمنا به من وحدة وألفة ومحبة بين هذا الشعب بكافة مكوناته وأطيافه.

لقد كان (اليوم الوطني) في سابق أيامنا مجرد تاريخ يصادف الأول من الميزان (23 من شهر سبتمبر)، لا عطلة فيه ولا احتفاء، اللهم إلا ما تنشره الصحف في ملاحق متخصصة، وبعض ما يبث من البرامج الخاصة في الإذاعة والتلفزيون، ثم أصبحت له إجازة على الورق تحتسب يوماً إضافياً في الإجازة أو عند تصفية خدمات الموظف، أما اليوم وفي عهد الملك عبدالله فقد أصبح يوماً وطنياً رسمياً مرتبطاً باحتفاليات متنوعة على مساحة كل الوطن، يعيشها ويلمسها كل المواطنين، بمن فيهم الطلاب وصغار السن الذين يتوشحون باللون الأخضر، حيث يؤكدون جميعهم روعة الوطن والفخر والاعتزاز بكل شبر فيه، وما تحقق له من تطور ونمو على كافة تصنيفات نشاطاته ومسؤولياته.

في اليوم الوطني لبلادنا ينبغي لنا أن نقف لحظة ونتأمل الوطن الكيان، المملكة العربية السعودية، هذا البناء الشامخ الذي يحق لنا أن نفتخر به وبمكانته وبما تحقق فيه. فبلادنا السعودية دولة محورية في الشرق الأوسط أولاً؛ لأن ما في العالم من أحداث يتوقف على ما يحدث في المملكة بشكل أو بآخر، وبدرجة أو بأخرى، وذلك ليس لأنها تحتضن الحرمين الشريفين فقط، ومولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بل لأنها أكبر دولة تملك احتياطي بترول في العالم؛ ولأنها تقع في منطقة تحكم اثنين من أهم طرق التجارة والاتصالات في العالم؛ ولأن لتأسيسها قصة بطولية وقصة الرجل النادر من نوعه الذي أسسها، وجديرة بالرواية، وهي تستحق وبكل تأكيد أن تعرف من قبل دائرة أوسع من الجمهور في بقاع العالم، وفيها بطولات كبيرة للملك عبدالعزيز.

لقد تمثلت إنجازاته في البحث عن مصادر دخل للوطن، مثل العمل على تنويع تلك المصادر بين زراعة وموارد طبيعية حتى قيض الله لهذه البلاد اكتشاف النفط، ونشر التعليم، وكان تأسيس ووحدة المملكة العربية السعودية على هذا النحو أمراً يدعو إلى الفخر والاعتزاز. استمرت إنجازات الوطن على كل المستويات، وحظي الحرمان الشريفان وخدمة ضيوف الرحمن بنصيب الأسد من إنجازات البلاد على النحو الذي يراه ويلمسه كل حاج أو معتمر أو زائر للأماكن المقدسة، وكانت بلادنا مثار إعجاب المراقبين المنصفين، وهي تقف بكل ما تملكه من إمكانات بجانب الدول الشقيقة والصديقة في المحن التي تتعرض لها، ومن أمثلة ذلك الوقفة الشجاعة للملك فهد والوطن بأكملة لأشقائنا في الكويت أثناء تعرضهم لأزمتهم المعروفة، وكذلك وقوف بلادنا بجانب كل من يحتاج إليها، وتقديم المعونات التي تخفف من مصاب ومحنة الأشقاء والأصدقاء، وتتبين الحكمة في بلادنا عند تعرضها لأزمات، فانهيار أسعار البترول في الثمانينات كادت تعصف بالوطن، وأزمة 11 سبتمبر عاصفة أخرى، وأحداث الإرهاب والقلاقل، وزعزعة الأمن، كلها عواصف مرت بها بلادنا وحاولت وتحاول علاجها باجتهادات، نسأل الله أن توفق فيها.

لقد كانت مرحلة التأسيس على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله ملحمة تاريخية لم تغفل أي جانب من جوانب البناء والتنمية وتكوين المؤسسات ورسم سياسة الدولة متخذاً من الشريعة الإسلامية السمحة المصدر والأساس لمنهجية الحكم وإدارة شئون البلاد، وبتوفيق الله وقدرته تم له ما أراد، واستطاع أن يجعل من المملكة العربية السعودية وحدة سياسية مترابطة تخطت كل معوقات الداخل والخارج، وتجاوزت كافة الصعوبات حتى تحققت نهضة تنموية شاملة قامت على بناء الإنسان كمرتكز أساسي، وها نحن نجني جيلاً بعد آخر ثمار غرسه ونشهد التحولات الكبرى والتطور المستمر في شتى جوانب حياتنا.

إن المملكة اليوم تعيش فرحة الاحتفال باليوم الوطني، الذي نتطلع من خلاله وبكل ثقة وأمل إلى تحقيق المزيد من المنجزات التنموية تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي سخر طاقات الدولة وأجهزتها ومواردها لخدمة الوطن والمواطنين. ويأتي اليوم الوطني في هذه السنة متزامناً مع صدور قرار مجلس الوزراء بإقرار خطة التنمية العاشرة (1436 -1441هـ)، وتتضمن الأهداف العامة للخطة أربعة وعشرين هدفاً، في مقدمتها المحافظة على القيم والتعاليم الإسلامية وتعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ هوية المملكة، كما تدخل من بين الأهداف توسيع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني وتعزيز نموه واستقراره وقدراته التنافسية، وتيسير حصول المواطنين على السكن الملائم، ورفع كفاءة وإنتاجية أجهزة الدولة وموظفيها وترسيخ مبادئ المساءلة والشفافية وحماية النزاهة ومكافحة الفساد.

إنه بفضل الله -عز وجل- أن هيأ لهذا الوطن حكاماً من أهله يذودون عن الدين حريصون على تطبيق شرع الله لا تأخذهم في ذلك لومة لائم، رحماء بالرعية يعملون مخلصين لرفاهية هذا الوطن وأهله الكرام في عيشة كريمة آمنة مطمئنة مستقرة جزاهم الله عنا وعن الوطن وأبنائه خير الجزاء، والغاية من الاحتفاء بهذه المناسبة كل عام هي التذكير بهذا العمل العظيم والتفكر في كيفية صيانته وتطويره ورعايته، بما يضمن استمرار التوحيد والبناء.

وأخيراً لا يسعني ونحن نحتفل اليوم بذكرى اليوم الوطني إلا أن أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي العهد الأمين الأمير سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز والأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي النبيل، آملاً من الله العزيز القدير أن يديم نعمة الأمن والأمان على وطن الخير والنماء والعطاء والاستقرار لمملكتنا الحبيبة في ظل القيادة الرشيدة والله أسأل أن يحفظها من كل مكروه ويديم على الجميع كرمه ورضوانه إنه سميع مجيب.

Omar1401@gmail.com

- عضو هيئة التدريس بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

مقالات أخرى للكاتب