29-09-2014

الابتهاج باليوم الوطني

في يوم الثلاثاء الماضي كان اللقاء الجميل لمواطني بلادنا العزيزة، ذكوراً وإناثاً صغاراً وكباراً، باليوم الوطني. ومع إطلالة ذلك اليوم المشرقة امتلأت النفوس بهجة وافتخاراً وانتماءً بما تحقَّق وأُنجز وحدة وعمراناً، زاد الله وطننا أمناً وتَقدُّماً.

وكنت من المنتشين بتلك البهجة المفتخرين بذلك الانتماء وهذا الإنجاز. ومما عَبَّرت به عن مشاعري تجاه الوطن الذي أَعيش سعيداً آمناً في ظلاله الوارفة قولي:

لي مَوطنٌ يَتسامى عِزَّة وعُلاً

إن سابقت لبلوغ المجد أوطانُ

تاريخه سِفْر أعلامٍ صحائفُه

على فضائلِ ما شادوه برهانُ

يفوح من سيرة الهادي وشرعته

عطراً نَسائمه عَدلٌ وإحسانُ

أقامها دَولةً عَزَّت بدعوتها

أن لا يَذِلَّ لغير الله إنسانُ

والناس في ظِلِّها الحاني سواسيةٌ

لا شيء إلا التُّقَى للفضل ميزانُ

وما اختفى لعظيمٍ راشدٍ عَلَمٌ

إلاَّ بدا من به الأَعلام تَزدانُ

وانشقَّ من كَبِد الصحراءِ فارسُها

يَحدو فَتنقاد أبطالٌ وفُرسان

ويرفع الراية الخضرا مُوحِّدةً

فتستجيب رُبىً عطشى ووِديان

وتنتشي طرباً نجدٌ معانقةً

للساحليْنِ وتُبدي الحب نجران

مرابعٌ رحباتُ المسْجِدَيْنِ لها

تاجٌ تتيه به فخراً وعنوان

وجَنَّةٌ من غِراسِ الخَيرِ كم سَعِدت

بفيضها الرَّغْد أجناسٌ وأَلوانُ

وفي مناسبة وطنية أخرى عَبَّرت عن مشاعري بأبيات منها:

ومليكة القلب الوَلُوعَ مَليحةٌ

ما طُوِّقت خِصراً ولا رُشِفت لَمَى

عُذريةٌ حُللُ الطهارة ثَوبُها

ما أروعَ الثوب النَّقيَّ وأَعظما!

وَطنٌ تَضم المَسجدينِ رحابُه

أَرأيتَ أَطهرَ من ثراه وأَكرما؟

وعلى الشريعة أُسِّست أَحكامُه

غَرَّاء أَنزلها الإله وأحكما

ومَظاهر الإنجاز أَصدق شاهدٍ

عمَّا بناه حضارةً وتَقدُّما

وأنا الذي أرواه فَيضُ نَمائه

وزَها بما قد شِيدَ فخراً وانتما

اليوم الوطني لهذا الوطن العزيز إحياء ذكرى لما حدث عام 1351هـ/ 1932م؛ إذ أعلن في ذلك العام توحيد مناطق البلاد تحت اسم المملكة العربية السعودية.

وكان ذلك الإعلان تتويجاً سياسياً مُوفَّقاً لإنجاز توحيدي عظيم، جذوره ضاربة في تاريخ شبه الجزيرة العربية. لقد بدأت مسيرة التوحيد انطلاقتها في الحقيقة بالمبايعة المباركة التي تَمَّت في الدرعية سنة 1157 هـ/ 1744م، بين الشيخ المصلح محمد بن عبد الوهاب وحاكم تلك البلدة الحصيف محمد بن سعود، رحمهما الله. وكان أساس تلك المبايعة إعلاء راية توحيد الله الخالص الذي هو جوهر رسالات أنبياء الله جميعهم عليهم أفضل الصلاة والسلام. وإعلاء تلك الراية كان من مستلزمات نجاحه توحيد البلاد التي كانت مُشتَّتة حينذاك.

ولم تكن رياح توحيدها رُخَاء؛ إذ استغرق توحيد نجد وحدها أكثر من أربعين عاماً من الكفاح المرير لأسباب أوضَحَتْها كتب التاريخ المُتخصِّصة. وكان ما كان من نجاح الدولة السعودية الأولى في توحيد أكثر مناطق الجزيرة العربية، ثم كان ما كان من القضاء عليها من قِبَل حاكم مصر العثماني، محمد علي باشا، سنة 1232هـ/ 1818م.

ولم تَمضِ سبع سنوات على نهاية تلك الدولة حتى نجح الإمام العظيم تركي بن عبد الله آل سعود في إخراج بقية حاميات محمد علي باشا من نجد، مبتدئاً بذلك الدولة السعودية الثانية التي حَقَّقت من النجاح ما حقَّقت وواجهت من المشكلات الخارجية والداخلية ما واجهت حتى انتهت عام 1309هـ/ 1891م.

ولم يَمضِ عَقْد من الزمن على نهاية الدولة السعودية الثانية إلا وقد بدأ الملك عبد العزيز - تَغمَّده الله برحمته - خطوته الأولى لإعادة توحيد الوطن. وكان مما ساعده في مسيرته التوحيدية - بعد توفيق الله - ما كان يَتحلَّى به من صفات قيادية عظيمة، من أبرزها: التديُّن دعوة وسلوكاً، والكرم والشجاعة المتَّزنة الواعية، وحسن التخطيط الحربي، وقوة الإرادة، وعمق معرفته بقومه، ووعيه لتاريخ أسلافه، إضافة إلى كون أكثر السكان يكنُّون وُدّاً لأسلافه الذين ذاقوا على أيديهم ثمار الوحدة أمناً واستقراراً، وإلى وجود ظروف استطاع - بحصافته وفكره الثاقب - أن يستثمرها لإنجاح مسيرة التوحيد. ووصلت هذه المسيرة - والحمد لله - إلى الهدف المنشود حتى أصبحت أكثر مناطق الجزيرة العربية تنعم في ظلال وحدة وارفة.

على أن من صفات الملك عبد العزيز، باني وحدة الوطن التي يتفيؤ ظلالها المواطنون، سعة أفقه في نظرته إلى الأمور الحضارية المستجدة. فكان أن أقدم على تَبنِّي خطوات رائدة آتت أكُلَها في مختلف جوانب الحياة. وما كان اهتمامه بأمور الوطن الداخلية، توحيداً، وتحقيقاً للأمن، ونهضة حضارية، ليشغله عن الاهتمام بقضايا الأُمَّتين العربية والإسلامية؛ ذلك أنه - وهو العربي المسلم - قد أدرك أنَّ هذا الاهتمام واجب تمليه أُخوَّة الإيمان، وأواصر الانتماء، وواقع المصير المشترك.

إنَّ الحديث عن اليوم الوطني شيِّق. ولا يملك المرء إلا أن يحمد الله ويشكره على توفيقه وعونه حتى تَحقَّق ما تَحقَّق من توحيدٍ لأجزاء الوطن، وبناء لنهضته الحضارية، وأن يدعوه - سبحانه - أن يحفظ للوطن وحدته، ويزيد أهله قادةً ومواطنين توفيقاً وسداداً، ويحمي الجميع من كيد الكائدين وتَربُّص المُتربِّصين.

مقالات أخرى للكاتب