01-10-2014

الطفل.. ما بين «التأديب» و «العنف»

بشكل شبه يومي، أقرأ في الصحف عن حالات العنف ضد الأطفال، ونسب وأرقام ليس هناك ما يؤكد دقتها، وإن كانت بعض الدراسات قد أعلنت أن نسبة العنف ضد الأطفال بلغت مؤخرًا 45% إلا أنها لم تفصح عن عينة الدراسة، فقد قرأت أن هذه النسبة تمثل أطفال المملكة، فهل يعني أن الباحث أو الباحثة قد أجرى دراسة مسحيّة على جميع الأطفال، كنت قد حذرت في مقالات سابقة بأهمية الدقة في نشر هذه الأرقام، وكلامي هذا لا يعني أن هذه النسبة عالية فالمتوقع ربما يكون أكثر، إنما الأخلاق البحثية وآداب النشر تُحتم تحري الدقة.

وما دام الحديث في هذا السياق، فمن الضروري أن يكون لدينا تعريف موحد ومصطلحات تحدد ماهية العنف ضد الأطفال، فالثقافة المجتمعية لها دور كبير في هذا الموضوع، ولا ننسى اللبس الحاصل ما بين «التأديب» و «العنف»، أضف إلى ذلك فكرة -بعض- الآباء أن هذا الطفل هو ملكهم، وأنهم يملكون الحق لممارسة كل شيء ضد جسده أو حتى ضد نفسيته، وهنا أبرر طلبي في إيجاد تعريف «محلي» على الأقل يساهم في توعية -بعض- الآباء عن مثل هذه التصرفات المنتشرة سواء في الأماكن العامة أو عبر نشر صور وفيديوهات يتفاخرون فيها بمثل هذه الممارسات ضد الأطفال. المشكلة في هذه القضية عدم شعورهم بأن هذه السلوكيات تدخل ضمن نطاق ممارسة العنف، لذا أعود إلى الثقافة المجتمعية التي جعلت تأليب الطفل -وهذا أقل الممارسات- في مكان عام مثلاً أمرًا طبيعيًا، يمضي الآباء بعد هذا السلوك وهم لا يعلمون حجم الواقعة وتأثيرها النفسي -مستقبلاً- على نفسية هذا الطفل وهو شابًا ورجلاً، وإن أقل آثارها الجانبية هو هز ثقته في نفسه، وشعوره الدائم بالخوف، كما أنه كذلك، سيُمارس مثل هذه السلوكيات مع أطفاله وربما أكثر.

بعض الآباء أيضًا يظن أن رعاية الطفل هي بتوفير المأكل والملبس أو حتى الرفاهية، وهو لا يدري أن الأمان النفسي له ومنحه الحب وزرع الثقة في النفس من الحاجات الأهم، ومن هذا نسمع كثيرًا جملة: (ما قصرت مع عيالي) من هنا أعود إلى الفكر والثقافة المجتمعية التي تحتاج إلى إعادة صياغة وتحديد مفاهيم الرعاية والحاجات الأساسية للطفل، أيضًا قد لا يحسب -بعض- الآباء حسابًا لبعض التصرفات ظنًا منه أن الطفل سريع النسيان، وهو لا يدري أن هناك مخزن كبير في ذاكرته قد لا تظهر وينساها بالفعل إلا أنها تبقى تتمدد في داخل فكره وعقله ونفسيته وسلوكياته دون أن يشعر بهذا أحد.

الطفل هو صفحة بيضاء أي خدش فيها يُظهر علامة فارقة تستمر معه مدى الحياة، وتبدأ هذه العلامة تتشعب وتظهر لها نتائج أخرى تُفسد جماليات هذه المرحلة التي لا يوجد أحد منًا لا يتمنى أن يعود إليها، مرحلة الطُهر والبراءة حرام أن تُلوث بسلوكيات لا نشعر بفداحتها إلا بعد أن يمضي العمر، ثم نتمنى أن يعود لنتداركها.

www.salmogren.net

مقالات أخرى للكاتب