06-10-2014

بما كسبت أيديكم يا سادة!!

تتنوع هموم ومشاكل وعثرات البشر عبر المعمورة، وكأنها تلخّص وعد الله في كتابه الكريم حينما قال: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ، فكم تجسِّد هذا الآية حال أغلب بني البشر، الذي عانى البعض منهم من الخوف وبشاعته وسيطرته على مفاتيح السعادة والانطلاق، وتألم البعض الآخر من بطون خاوية إما جوعاً أو شبعاً نتيجة فقر مدقع أو رفاهية صارخة، فصار الجوع إلى رغيف الخبز أكبر معاناتهم، أو الشبع منه والجوع إلى المزيد من ملذات الحياة أكثر نقم الأقدار عليهم، أما في الضفة الأخرى فيُعاني البعض خسارة من نوع موجع عبر فقدان قريب أو عزيز، لا تخسره مرة واحدة بل تفقده كل ليلة حينما تشاهد توقيعه على أجمل أحداث ومراحل حياتك حتى تستفيق على فكرة غيابه إلى الأبد. أو كساد تجاري أو زراعي أو حياتي أنقص ثمرات القدر وأطايبه وتحول من حال الوفرة إلى حال النقص والشح والقلة.

وعلى الرغم من بشاعة وقوة تأثير تلك المصائب والخطوب الدنيوية على النفس البشرية، إلا أن الله وعد وبشّر من صبر عليها بسيل من الصلوات والرحمات الإلهية التي تقود في نهاية المطاف إلى رضا الرب والفوز بجنته.

تلك هي الحقيقة الرائجة بين الناس، إلا أن حقيقة أخرى ظلت مغيبة عن معظمهم، خصوصاً لمن يعزو آلامه وتراجعه وتخلف مسيرته وتنوع همومه من خوف أو جوع أو مرض أو شح في موارد العطاء والنعم في حياته إلى الأقدار، بينما تؤكد الآية الكريمة: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ أن معظم الناس لهم يد بشكل مباشر أو غير مباشر بصناعة أقدارهم، وتشكيل صورة الأحداث العامة لحياتهم واستجرار المزيد من سوادها أو بياضها، إما عبر حصر أنفسهم في صناديق الخوف القاتمة من حسد أو مرض أو فشل، أو عبر ذنوب ارتكبوها يوماً تحديداً تلك التي لها علاقة مباشرة بحقوق الناس لا حقوق الله، وذلك لأن الله قد يغفر ويصفح ويرحم عبده، أما البشر فلا تسقط نقمة ظلمهم إلا عبر عفوهم وتجاوزهم الشخصي عن ذلك.

ولكي أكون دقيقة أكثر في حديثي، فقد أجربت حواراً مع قريبتي الأخصائية النفسية التي أكدت لي عبر خبرتها في العمل الميداني أن عدداً ليس قليلاً من المرضى أو مرافقيهم كان لهم فضل بشكل أو بآخر بصناعة ذلك الحدث، إذ تؤكد لها إحدى المصابات بجلطة قوية أقعدتها الفراش ومنعتها من الحركة على الرغم من أنها لم تتجاوز العقد الخامس من عمرها، أنها كانت تتنظر تلك الجلطة منذ 10 أعوام! عبر خوفها منها وقلقها من أن تصيبها حتى حدث ما حدث.. أما في حالة أخرى فتُؤكد إحدى الأمهات اللاتي ترعى طفلها المعاق أنها كانت مشبعة بطاقة الرفض والغضب من ذلك الطفل الذى حملته بعد ولادتها بابنها الأول بعام فقط، فجاء ولدها ترجمة لتلك المشاعر السلبية وناقلاً لها.. الأمثال والقصص التي شاركتني إياها كثيرة ومدهشة ولا يتسع مقال واحد لسردها، لكنها كانت تشترك بشيء واحد، وهو أننا مسؤولون ولو بشكل جزئي عن كثير من أحداث حياتنا، ومتورطون في بياض نجاحنا وتألقنا أو سواد فشلنا وتتابع قوافل المصائب والآلام على أبواب أقدارنا، عبر سوء النية وافتراض أبشع السيناريوهات، والعيش في كهوف الخوف وجحور التوتر.. وكأن الأقدار لها آذان تسمع وقلوب تشعر لتكافئنا على سوء نوايانا أو حسن ظننا بما نستحقه ويستحقنا.

Twitter:@lubnaalkhamis

مقالات أخرى للكاتب