08-10-2014

لماذا نتجاهل المؤامرة في صراع الحضارات؟

إن ما يجري من أحداث في منطقتنا العربية منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية وحتى اليوم يستحق التوقف والتأمل، واعتقد أننا اليوم بحاجة ماسة لإيقاظ العقل ورؤية الحقائق كما هي لا كما نرغب أو نتمنى، وان نضع الهوية والانتماء أرضية وفضاء لهذه الرؤية وهذا التأمل.

وحين نقرأ في أحداث الماضي وعصر تأسيس الدولة العربية

القطرية نمر على محطات تدعو للتوقف، أما اليوم فقد انتشر العلم وارتفع الوعي وقدمت تقنيات العصر نوافذ مطلة على العالم وحركته بكل أبعادها, وما عاد ينفع تجاوز المواقف الفاعلة والمؤثرة في مصير الأمة، وان كنا قد وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها التوافق على رؤية أو استراتيجية عربية موحدة لمواجهة الأخطار صعب المنال إن لم يكن مستحيلا، إذ أصبح القطر العربي الواحد اليوم منقسما ومتعددا في رؤاه وتوجهاته وفهمه لما يدور من أحداث، بل وغابت الدولة في بعض هذه الأقطار وأصبحت الشعوب ليست أكثر من أرقام تتنافس وأعداد الرصاص وقوة التدمير، والأخطر أن تسلم بعض القيادات العربية بأن النجاة أو الإنقاذ لا يتم إلا بتدخل من الخارج دون أن تتوقف أمام عجزها وتبحث أسبابه.

لقد كان إسقاط الإمبراطورية العثمانية إسقاطاً للخلافة الإسلامية وكانت تجزئة الوطن العربي ضمانة لإلغاء احتمالية عودتها من جديد، وحين أظهرت الحرب العالمية الثانية قوة الاتحاد السوفييتي اتجهت أنظار الغرب لمحاصرة هذه القوة حتى أسقطتها عام 1994م، وهي اليوم لا تكتفي بذلك بعد أن تمت أرشفة تاريخ الاتحاد السوفييتي بل ها هي تشغل روسيا بأوكرانيا لمحاصرتها واستنزاف اقتصادها الذي انتعش بارتفاع أسعار النفط وترغب في تنحيتها جانبا عن التأثير في السياسة الدولية، واليوم يخرج لنا من المجهول خليفة للمسلمين في الموصل يستخدم الدين والمذهب السني بأبشع ما يمكن أن يتخيله أحمق، ومن السخريات أن يطلب الرئيس الأمريكي تحالفا دوليا لمحاربة عصابة الخليفة المزعوم وكأنها حالة استحضار لأسلحة الدمار الشامل التي ظهرت خرافتها فيما بعد، وللبراءة يستثني إيران من التعاون تماما كما فعل بوش الصغير، وهي بالمنطق الطبيعي جغرافيا ودينيا ومذهبيا يفترض أن تكون أكثر المستهدفين وأقربهم لهذا الخطر والأولى بمواجهته لولا انه يتم استعارة الصدام المذهبي ومخاطره، ليظهر في جانب آخر براءة تخفي ما وراءها لتشكل سترا يخفي وبإتقان ما يخشى أن يكون صدام المذهب السني بعضه ببعض، وكأنه قد غاب عن الوعي حالة التمزق العربي الذي صنعه غزو عام 2003م للعراق، ومن يغيب المؤامرة ويصورها كمرض أو جنون شك هو إما لا يقرأ التاريخ أو يقرأ سردا ولا يفهم سرا، وإلا فالقضية في أصلها صراع بين حضارات لا يكفي إظهار حسن النية لإلغاء حقيقتها كطبيعة التنافس البشري الأناني، الذي يربط بين اتفاقات (سايكس وبيكو) عام 1916م وسقوط الخلافة العثمانية عام 1923م وقيام كيان إسرائيل عام 1948م، والدراسة التي أعدها (بيرنارد لويس) عام 1975م وأودعت مركز الدراسات الإستراتيجية بواشنطن عام 1982م ثم غزو العراق لدولة الكويت عام 1990م ثم تدمير أبراج المال في نيويورك عام 2001م إلى احتلال أفغانستان ثم العراق عام 2003م، مرورا بتصاريح (كوندليزا رايس) عن الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد إلى ما نشرته المنظمة الصهيونية المعروفة بـ ( كيوفنيم ) بقلم الصهيوني (عوديد ينون) لنشر الفوضى و(بلقنة) الدول العربية، ترجمة لما طرحه البروفيسور الصهيوني (إسرائيل شاحاك) في صورة تحاكي ما طرحه (زيبنغيو بريجينسكي) في كتابه ( بين عصرين) الذي طرحه أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وقبل أن يصبح مستشارا للريس الأمريكي (جيمي كارتر) الذي رعى اتفاق الصلح بين رئيس مصر في ذلك الوقت أنور السادات ورئيس وزراء الكيان الصهيوني (مناحيم بيجن)، لتبدأ مرحلة خلخلة التوازن العربي، ثم نصل إلى كتاب (إسرائيل وصراع الحضارات) الذي كتبه الصحفي البريطاني (جوناثان كوك) عام 2008م، مبينا الدور الذي لعبته إسرائيل في تأجيج صراع الحضارات لتكون أساسا لنظرة العالم على نحو ما يخدم توسعها وتحقيق إمبراطوريتها في المنطقة الذي بتنا نرى ملامحه اليوم في تشرذم أقطار عربية، كانت هي الخط الأول في المواجهة مع إسرائيل لنفاجأ نهاية عام 2010م بما وصف بالربيع العربي وإن وصف أيضاً بالمؤامرة، وأخيرا ظهر رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال المتقاعد (هيو شيلتون) في العام 2013م ليكشف عن نوايا أمريكية لزعزعة مصر والبحرين ضمن إطار خطة لتفكيك وتقسيم المقسم من الوطن العربي كما يزعم، لتكون ردة الفعل بالثورات المضادة التي ربما رسخت برعونتها وبشكل مدهش توجه المنطقة نحو الفوضى وربما بأسرع مما خطط له.

إن أزمتنا اليوم أزمة هوية وانتماء، وما نشهده من أحداث مجنونة في وقتنا الحاضر بمثابة الركض في الفراغ، وأن شئنا إنكار المؤامرة فإن عدم تطور العلاقة بين الحاكم والمحكوم إلى ما يتناسب مع معطيات العصر ومؤثراته وبطء وتردد معظم الأنظمة العربية في التناغم مع ذلك قد يكون من الأسباب الرئيسية أو الثغرات الخطرة، وإلا فلا مناص من الإقرار بوجود المؤامرة مع توافر شواهدها وبراهينها، بل إن سياقاتها تكشف خيوطها لمن يعاني من عسر الرؤية وضعف البصيرة، وأخشى أن أقول إنهما عاملان رئيسيان في ما وصل إليه حال المنطقة مهما حاولنا التجاهل والتجميل، وسيكون في رتق العلاقة بين الشعوب العربية وحكوماتها والارتقاء بها غاية في الأهمية للتعاضد والتكاتف ورص الصفوف، خاصة في الأقطار التي لا زالت سليمة في بدنها رغم ما يعتريها من أعراض .

إننا راغبون في بناء وتنمية أوطاننا والأخذ بها إلى مصاف الدول المتقدمة بما حبانا الله من ثروات وعمق تاريخي وثقافي وموقع جغرافي استراتيجي متحكم في منافذ بحرية وجوية وبرية تربط أهم ثلاث قارات في العالم، لكننا نواجه ومنذ نهاية القرن الثامن عشر الميلادي مخاضات عسيرة وبراكين بارود تتفجر بين حين وآخر حتى بلغت اليوم أوجها وبشكل متسع على مدار العقدين الأخيرين بوجه خاص، فتهدمت حصون وأركان كانت أو كنا نحسبها قلاعا للقوة العربية، فأضحت اليوم دولا فاشلة تنتكس راياتها وتتداعى عليها الشرور من كل حدب وصوب وتتشرد شعوبها بين الملاجئ والمهاجر، لقد آن الأوان في مواجهة هذه الأخطار أن نجدد الإيمان بحقيقة هويتنا الإسلامية وانتمائنا العربي الفاعل والمتفاعل شئنا أم أبينا، مع ما حوله من أنداد وأضداد بفطنة أعمق وأوسع من ذي قبل، متكئة في الرؤى على صحة وسلامة أرضيتها الحاضنة لا في إغفال حقيقة وجود الصراع الحضاري.

Hassan-Alyemni@hotmail.com

Twitter: @HassanAlyemni

مقالات أخرى للكاتب