12-10-2014

داعش وغياب الكرامات

من الملاحظ أن داعش لم توظف الكرامات والمعجزات والتفنن في فبركتها لاستقطاب المجاهدين مثلما كان يفعل مجاهدو أفغانستان. رغم أن أحد الخطباء المشهورين بالتحريض على الجهاد في سوريا والمعروف بالتأخون والكذب والافتراء حاول في بدايات الحرب السورية توظيف هذه الأساطير فادعى أن خيولا بيضاء عليها أناس مجهولون كانت تقاتل مع المجاهدين وتفعل الأعاجيب؛ والمصدر طبعا (روى لي مجاهد ثقة) إلا أنه ووجه بالسخرية والتندر وبالذات في تويتر، فباءت محاولاته توظيف هذه الروايات الخرافية بالفشل.

والجدير بالذكر أن هذه الكرامات كانت قد تتخطى أحيانا معجزات الرسل والأنبياء إلا أن بعض العقول تتقبلها بل وتذهب إلى أن من ينكرها ويشكك فيها (ضعيف الإيمان)؛ وأمام هذا الإرهاب والابتزاز الفكري سكت المفكرون والمثقفون خوفا من التكفير ورميهم بالزندقة، فسمعنا قصصا وقرأنا أساطير وسيناريوهات وخرافات لم نسمع عنها حتى عند غلاة الصوفيين في التاريخ الإسلامي الذين اشتهروا بأنهم كانوا يستقطبون الأتباع من البسطاء والسذج لمذهبهم أو لطريقتهم من خلال فبركة الكرامات لأوليائهم وأقطابهم وقصصها الخارقة للطبيعة. وكان الإرهابي «عبدالله عزام» الإخواني الفلسطيني المعروف قد ألف كتابا مشهورا بين شباب المجاهدين أو كما يسمونهم حينها (الأفغان العرب) سماه (آيات الرحمان في جهاد الأفغان)، ملأه بمثل هذه الأكاذيب، وللأسف أن هذا الكتاب الخرافي وجدته في الانترنت في (المكتبة الوقفية)، وتمت إضافته بتاريخ 23-6-2011 م؛ بمعنى أنه حديث الإضافة، أي مازال هناك جهود حثيثة لتكريس هذه الخرافات ونشرها للتغرير بالشباب السذج ودفعهم لالتحاق بكتائب الإرهابيين ليكونوا خير خلف لأولئك الذي كان لا شغل لملائكة السماء إلا القتال معهم ونصرتهم كما كان يروج الصحويون.

غياب الكرامات عن أدبيات الدواعش وفشل المحرض المتأخون الشهير عندما حاول أن يروج للجهاد في سوريا من خلالها والسخرية والتندر التي واجهتها خطبته في وسائل التواصل الاجتماعي في الانترنت يعني أن ثمة توجهاً (عقلانيا) لدى أغلبية الشباب بدأ ينتشر وتتضح إرهاصاته يوماً بعد يوم، وفي تقديري أن انتشار العقلانية لدى الشباب هي بمثابة العقبة الكأداء في سبيل هؤلاء الخرافيين وخطابهم السياسي الذي يحاول أن يستغل مثل هذه الأوهام والأكاذيب والخزعبلات التي لا تمت للعقل ولا للمنطق ولا للعصر ناهيك عن الأمانة بصلة لتجنيد الشباب ودفعهم ليكونوا حطبا يحترق في بؤر الإرهاب.

لذلك فإنني أرى، وتتأكد رؤيتي هذه يوما بعد يوم أن تحصين عقل الفرد المسلم بالعقلانية ودفعه إلى التفكير وتحفيزه على طرح الأسئلة في كل ما يطرح أمامه من آراء وأفكار وقصص وروايات هو في المحصلة بل بالضرورة تحصين له من الوقوع في حبائل هؤلاء الخرافيين وتخليص الإسلام من الإرهاب والإرهابيين المتوحشين الذي لم يسيء أحدٌ للإسلام ولتعاليمه ويُضاد جنوحه للرحمة والمجادلة بالتي هي أحسن، مثلما يفعل هؤلاء الأوباش القتلة المتأسلمون ودعاتهم الذين هم فعلا دعاة على أبواب جهنم.

تسأل: كيف يجيزون لأنفسهم الكذب ليس أمام الأتباع البسطاء، وإنما أمام بعضهم البعض من دعاتهم ووعاظهم وكوادرهم؟.. هنا يجري انتقاء الأدلة من السنة والسّير ثم لي أعناقها وتوظيفها لخدمة (الكذب)، وتبريره شرعا. خذ مثلا : (حسن البنا -مؤسس جماعة الإخوان- كان قد كلف مرة أحد الشباب بعملية تفجير فأمسك به قبل أن يفعل ما أمر به، فلما أباح للحكومة المصرية آنذاك بما أمر به وكلف بفعله، أصدرت جماعة الإخوان بياناً يكذبون فيه هذا الشاب بل ويكفرونه، فلما عرض كلام الجماعة على هذا الشاب ما كان منه إلا أن قال: هم لا يكذبونني في حقيقة الأمر ولكنهم يعملون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحرب خدعة»..)، كما تجد ذلك في شريط: «تاريخ الإخوان المسلمين حقائق خطيرة» للشيخ عايد الشمري.

إن هؤلاء الحركيين المتأسلمين هم أكذب الناس، وهم - والأدلة والشواهد تؤكد ما أقول - لا يمتون للأمانة بل ولا للدين الذين يتمظهرون به بأية صلة..

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب