14-10-2014

«نوبل في استغلال الطفولة»

جائزة «نوبل»، أكبر جائزة دولية، تحظى بمتابعة في جميع أنحاء العالم لدرجة أن بعضهم يعتقد أنها تمثل العالم بأسره وليس الجهة التي تمنحها، وأنها موضوعية ومحايدة تنشد مكافأة الإبداع العالمي والأعمال التي تصب في مصلحة البشرية بكل تجرد وبغض النظر عن أية مصالح ايديولوجية.

لكن المتابعين عن كثب لشؤون هذه الجائزة قد يرون غير ذلك، فمن القضايا التي تثار دائماً حول هذا الجائزة والجوائز العالمية الأخرى مسائل تتعلق ليس بمن تمنح له، وهل هو مستحق فعلاً، ولكن قضايا تتعلق بكون من أن من تمنح له قد لا يكون هو الأحق، وكذلك توقيت منحها لمن تذهب له ومبررات ذلك.

وبالأمس منحت جائزة نوبل مناصفة بين فتاة أفغانية صغيرة ومعلم هندي بسبب مساهمتهما بالدفاع عن حقوق الأطفال في آسيا وحقوق حصولهم على التعليم. وبما أن الجائزة عادة تمنح للإنجاز وليس للمواقف فالمرء قد يتساءل ما هي الإنجازات الحقيقية لملالى بوسفزاي أو كيلاس ساتيارثي في هذا المجال تحديداً حتى يمنحا أكبر جائزة عالمية؟ فملالى فعلاً تعرضت لاعتداء غاشم من متطرفين إسلاميين في مظاهرة تطالب بتعليم المرأة في إقليم «سوات» عقر دارطالبان باكستان التي يعتبرها الغرب مثالاً للتخلف الإسلامي وتجسيداً لإساءة معاملة المرأة ليس فقط كراشدة ولكن أيضاً كطفل. وليست هذه المرة الأولى التي تكرم فيها هذه الفتاة ذات الوجه الإنساني الوديع والحضور البديع فقد فتحت لها جميع وسائل الإعلام الغربية قبل ذلك وظهرت على أغلفة الكثير من المجلات السياسية فيما يرتقي لدرجة الاستغلال لبراءتها وطفولتها، واتخذت كحصان طروادة رمزي للولوج إلى ما هو ابعد في تشويه الثقافة الإسلامية، فلا غرابة أيضًا أن منحتها كندا المواطنة الشرفية.

وعندما يفوز شخص ما بجائزة نوبل للسلام يكتسب أهمية دولية خاصة، ويبدأ العالم أجمع بالنظر له على أنه شخصية إنسانية استثنائية في إنجازها وفي خدمتها للبشرية، وفي فئة ملالى وزميلها يجسد ذلك الرغبة الاستثنائية في السلام في العالم. ويتلو ذلك تسليط الأضواء الإعلامية في العالم عليه بشكل مكثف ومتزامن يصل لدرجة الإبهار ويكون العالم في حالة انتباه تام واهتمام خاص بكل ما يقول. وهذا ما حصل بالفعل للطفلة ملالى حيث أظهرتها جميع أجهزة الإعلام في العالم على أنها ضحية العنف الإسلامي المتأصل ضد المرأة، والاحتقار الإسلامي لها، ولم يحظ من ناصفها الجائزة باحتفاء مشابه ولا تغطية إعلامية مماثلة، ولذا فلا غرابة أولاً أن يتم اخراج ملالى على شاشات أكبر الفضائيات العالمية بالزي الأفغاني أولاً وهو زي إسلامي وهي تتحدث الإنجليزية ثانيًا وهي لغة غربية، فالجسد إسلامي والتجسد غربي، وهي تحدثت باللغة الإنجليزية الواضحة ليفهمها الجميع بلا لبس، فهي افغانية مسلمة تتحدث لغة الغرب وتتسلح بقيمه، وشمعة غربية في بحر ظلام إسلامي، ثم تصرح بتصاريح لا تعي هي كطفلة بعدها السياسي والإيديولوجي، وفي ذلك في حد ذاته استغلال غير أخلاقي لطفولتها ومظهرها البريء. ولذلك لا غرابة أن اكثر تصريح رددته شاشات الفضائيات الغربية لها وعنها هو العبارة الموجزة الشاملة: Women are not even considered as human beings (in Swat).. «أي أن النساء حتى لا يعاملن كبشر هناك.»

والقضية هنا لا تتعلق بهذه العبارة الجامعة القوية التي دفعت هذه الفتاة البريئة للتصريح بها على مسرح الإعلام العالمي، ولكن كيف ستفهم هذه العبارة في أصقاع وثقافات العالم المختلفة ولاسيما في ظل سياق الأحداث العالمية الحالية؟ وعلى أي خلفية ثقافية ستفهم؟ وما طبيعة المتلقين حول العالم بكافة فئاتهم وتنوعاتهم لهذا التصريح؟ فالإعلام الغربي لعقود، وبمساعدة من فئات متطرفة إسلامية للأسف، يعزز نشر صورة للمسلمين وعلى وجه الخصوص الملتزمين منهم، بأنهم استثناء حضاري من العالم، وأنهم ما زالوا يقبعون في عصور الظلام، وأنهم خطر على البشرية وأنهم يحتقرون النساء ويقتلون الأطفال، وهو لا يتوقف عن تصيد الشهود من داخل الثقافة الإسلامية ذاتها شاهد إثر شاهد. فإذا كانت الجائزة حريصة على تعليم الأطفال فلم لم تُمنح الجائزة لأطفال غزة الذين كانوا يذهبون لمدارسهم تحت القصف الإسرائيلي؟ وحتماً ستجد الجائزة أطفالا معاقين جراء القصف على مقاعد الدراسة، وإذا كانت لمناصرة المرأة وحقوقها فلم لم تمنح أي جائزة لمن فضح ممارسات الاغتصاب والقتل في أبو غريب؟ أم أن امتهان المرأة يختلف باختلاف الثقافات؟

الغرب لمن يعرف ثقافته يطبق معايير ثقافية معينة انتجتها وعممتها ثقافته هو، ويتهم كثيرا من مفكري الغرب ثقافتهم بتهم: «المركزية الثقافية» و»الاستعلاء الثقافي» والمنصفين يشككون في حق الغرب في تعميم هذه المفاهيم على الثقافات الأخرى واتخاذها احياناً كذريعة للتدخل والسيطرة، فكثير من هذه الحقوق تعد هامشية بل ومستهجنة لدى ثقافات أخرى همها الصراع اليومي لحياة كريمة. ومن القضايا التي تركز عليها الثقافة الغربية في العقود الأخيرة حقوق المرأة بمفهومه الغربي الذي بدأ يتموضع كمقياس لحقوق الإنسان، ثم مؤخرا قضية حقوق الشواذ. وهذا يعني أنه لو حصلت طفلة كملالى على حقوقها كاملة بعد أن تكبر، ربما يخرج علينا أطفال آخرون يطالبون بحقهم في الشذوذ المعلن، وسنتهم باضطهادهم وهذه قضية تثار دائماً على شاشات الفضائيات الغربية.

فالغرب بالطبع له الحق في منح الجوائز التي تروق له ولكن المستغرب هو احتفاء بعضنا بهذه الجائزة على هذا النحو ذاته بشكل أعمى بالرغم من أن كثيرا من أعظم المفكرين والفلاسفة في العالم الغربي سبق ورفض هذه الجائزة ومنهم: المسرحي برنارد شو، والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، والأديب الروسي بوريس باسترناك. كما أن نوبل للسلام، فئة ملالى وزميلها، منحت لإرهابيين مثل مناحيم بيجن، وسياسيين ميكافيلين اشعلوا العالم حروباً مثل هنري كسينجر الذي نصح بقصف كمبوديا، ودعم الكونترا في بيكاراغوا، وغيرهم.

الغرب في مسيرته الحضارية جعل قضية المرأة محورًا هاماً في ثقافته، وهذا لم يأت من فراغ، فالثقافة المسيحية الغربية التقليدية حتى عهد قريب امتهنت المرأة بشكل مأساوي لا يقارن بثقافة أخرى، وكان يعتقد أن جسد المرأة هو المسكن الطبيعي للشيطان لأنها هي المسبب الأول للخطيئة الأبدية التي نزل المسيح ليخلص البشرية منها، ولذا تمت ممارسة ما يسمى «بحرق الساحرات» لأن الشيطان يسكنهن دون معرفتهن ورغبتهن! ومن هنا انطلقت النظرة الدونية الغربية للمرأة وهي منطلقات تختلف عن منطلقات الثقافة الإسلامية المحافظة التي ترى، مصيبة كانت أومخطئة، أن المرأة هي مركز العفة المجتمعية ومصدر الاستثارة الجنسية للرجل التي قد تتسبب في علاقة محرمة دينياً. وأكرم الإسلام أكرم في وقت كانت الحضارة الغربية تمتهنها بشكل مروع. ويكفي اليوم أن الغرب يقارن منجزاته اليوم ليس بالإسلام بل بالمتطرفين من المسلمين، وهو يبرز المتطرفين من المسلمين في إعلامه كمثال للمسلمين، ويخفي متطرفيه خلف ستائر الاستثناءات. ولوكانت هذه الجائزة تمنح لمن يستحقها فعلاً لإنجازاته في خدمة السلام لربما كان الأحق بها أناس مثل: «نوام تشومسكي» أحد أكبر علماء الفكر الحديث والذي دافع بكل تجرد من دينه ومذهبه عن الأبرياء من الفلسطينيين الذي اغتصبت أرضهم واستبيحت حيواتهم وأعراضهم من قبل حركة عنصرية تنتسب لدين تشومسكي ذاته. أومنحت لإدوارد سعيد المسيحي الذي أفنى عمره دفاعاً عن الثقافات المستضعفة ومنها الثقافة الإسلامية. وإذا كان لا بد من منحها لمسلم فما هي انجازات ملالى مقارنة بإنجازات: أشخاص مثل الشيخ عبدالرحمن السميط الذي افني عمره لإنقاذ الأطفال والنساء في أفريقيا ومناطق كثيرة في العالم بصرف النظر عن ديانتهم، وغيره من الوجوه الإسلامية المشرقة. واعتقد أن الجائزة بدأت تفقد ما تبقى من مصداقيتها بالانحدار لمستوى استغلال الأطفال.

latifmohammed@hotmail.com

Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب