16-10-2014

الإعلامُ المُموّه..

* * تصادفَ وجودُه في الغرب الأميركي مع إذاعةِ الراحل «ولتر كرونكايت» آخر نشرات السادسة مساءً عبر محطة CBC الأميركية ويذكر أن عينيه لم تفارقا الشاشة حتى اختتمها بعبارته الشهيرة « And That Is The Way It Is ولم يفته أن يأخذ لقطةً له عدّها ذاكرةَ وداعٍ لواحد من أهم الأسماء المؤثرة في التأريخ الإعلامي العالمي.

* * وعى إيمانَ الأميركيين بصدقه؛ فما يرويه في أخباره يثق به الأغلبية حتى تقدمَ في استفتاءٍ مشهود على ذواتٍ مقدسةٍ ورموزٍ إنسانية حيث كان الصدقُ مبتدأَ الفواصل المميزة لدى الجماهير وبقي المحركَ الأهمَّ لنجومية «الإخباريين».

* * لم يكن إعلام عربيٌّ أقوى في حينه من إذاعة «صوت العرب» ولم يكن مذيعٌ أكثرَ حضورًا من «أحمد سعيد»، ومن عاش زمنهما وعى تأثيرهما واستثارتهما فتسيَّدا حتى بدت الحقيقةُ فتبددا.

* * لم يعِش جيلُنا تلك المرحلةَ لكنه عايش نتائجها؛ فقد جاءت نكبةُ الأيام الستة 1967»لتوقظ من غفوا على وهم النصر واستيقظوا على بقايا دول وذيول أنظمة فاعتزل المذيعُ وتوارت الإذاعة ومات الزعيمُ ودفن المداحون وبكى من بكى وشكا من شكا واستُنزف من استنزف وعادت السيرة القديمة فلكل زمنٍ «صوتُه وسعيده».

* * تغيرت الأسماء وبقيت الدلالات وصوروا حرب تشرين 1973نصرًا فكانت أقسى من الهزيمة وسقط المشروع العروبيُّ في التحرير، وتوالت الأحداث لتثخن في الأجداث فجاءت زيارة السادات وثورة الملالي وغزو الكويت وسقوط بغداد وتطورُ التكوينات الفئوية من خلايا وأقليات إلى مشروعاتٍ ودويلات واستحال الربيعُ فصلًا دون هُوية والتغييرُ مطلبًا دون مشروعية.

* * اختلطت الأوراق كما لم يكن، ومن يدعي أنه فهم فقد وهم؛ فالمشهدُ متلونٌ بالغُبرة وعصيٌ على القراءة الموضوعية التي تجد ناتجَ الجمع رقمًا ومنطقَ التحليل فهمًا حتى امتدت التحليلات كما لم تمتد وتعددت المصادر كما لم نعهدْ وصرنا بين مجاميع ومفرداتٍ يصل بينها منطقا التبرير السياسي والتخدير الاجتماعي وتندرُ في منعطفاتها القراءاتُ العلمية لصعوبتها من جانب وقسوتِها من جانب واكتنافها بعلامات الوقوف الإجبارية.

* * الزمن صعبٌ لكن الأصعب فقدانُ الاتجاه؛ فالتبريريون يرون المشهد بعدسةٍ لا يكترث بها الكثرة والتخديريون يقرأونه بمرايا مقعرةٍ لا تسعف المترائين والمحللون مترجحون بين معاني الحروف ومباني الظروف والباحثون مترددون بين معطيات الواقع وهلامية المتوقع وهو ما يجعل التيهَ أصلًا والإبحارَ مخاطرة وانتظارَ الآتي محاطًا بالقلق.

سنعود إلى نقطة البداية فتجسيرُ العلاقة بين الإعلام والناس غيرُ متيسر حين تفقد الثقة بين المُعادِلين؛ فالزئيرُ لا يليق بغير الأُسْد والادعاءُ كما الدعاية لا يكفيان لتغيير الواقع، وليس أسوأَ ممن يعلل ويدلل عبر قراءاتٍ يقودها الهوى فتقود نحو الهاوية.

* * الصدقُ يصنع الفرق.

ibrturkia@gmail.com

t :@abohtoon

مقالات أخرى للكاتب