الوطن و الأمن

عبدالرحمن بن محمد بن إبراهيم الريس

قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (82 سورة الأنعام).

نِعَم الله على الخلق كثيرة لا تعد ولا تحصى كما قال الله تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (34 سورة إبراهيم)، وأعظم النِّعَم بعد الإيمان بالله عز وجل نعمة الأمن، فالأمن ضد الخوف، الأمن طمأنينة القلب وسكينته وراحته وهدوئه، فلا يخاف الإنسان مع الأمن على الدِّين، ولا على النفس، ولا على العِرض، ولا على المال، ولا على الحقوق، فالأمن أصل من أصول الحياة البشرية، لا تزدهر الحياة ولا تنمو ولا تحلو بغير الأمن. ما قيمة المال إذا فُقِد الأمن؟! كيف يطيب العيش إذا انعدم الأمن؟! كيف تنتعش مناشط الحياة من دون الأمن؟!.

الأمن تنبسط معه الآمال، وتطمئن معه النفوس على عواقب السعي والعمل، وتتعدد أنشطة البشر النافعة مع الأمن، ويتبادلون المصالح والمنافع، وتكثر الأعمال المتنوعة التي يحتاج إليها الناس في حياتهم مع الأمن، وتدر الخيرات والبركات مع الأمن، وتأمن السبل، وتتسع التجارات، وتُشَيَّد المصانع، ويزيد الحرث والنسل، وتُحقن الدماء، وتُحفظ الأموال والحقوق، وتتيسر الأرزاق، ويعظم العمران، وتسعد وتبتهج الحياة في جميع مجالاتها مع الأمن.

وقد امتنّ الله على الخلق بنعمة الأمن، وذكّرهم بهذه المنّة، ليشكروه عليها، وليعبدوه في ظلالها، قال الله تعالى: {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (57 سورة القصص). وقال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} (3-4) سورة قريش).

وعن عبيد الله بن محسن الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافيرها)) [رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن»]

والإسلام عُني أشد العناية باستتباب الأمن في مجتمعه، فشرع الأوامر، ونهى عن الفساد والشرور، وشرع الحدود والزواجر الرادعة، وأخبرنا الله تعالى أن الأمن لمن عمل الصالحات، واستقام على سنن الهدى، وابتعد عن سبل الفساد والردى، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (82 سورة الأنعام)..

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: ((اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، هلال خير ورشد، ربي وربك الله)).

فالأمن نعمة كبرى، ومنّة من الله عظمى، إذا اختلّت نعمة الأمن، أو فقدت فسدت الحياة، وشقيت الأمم، وساءت الأحوال، وتغيرت النِّعَم بأضدادها، فصار الخوف بدل الأمن، والجوع بدل رغد العيش، والفوضى بدل اجتماع الكلمة، والظلم والعدوان بدل العدل والرحمة.. عافانا الله بمنه وكرمه..

فاشكروا الله يا عباد الله وأحمدوه على نعمة الأمن، وعلى النِّعَم الظاهرة والباطنة التي أسبغها عليكم، وذلك بالدوام على الطاعات، والبعد عن المحرمات، فإنّ الله تعالى مَنّ على هذه البلاد بنعمة الأمن والأمان وغيرها من النِّعَم حتى صارت والحمد لله مضرب الأمثال بين الدول في هذا العصر في الأمن والاستقرار ومحاربة الجريمة، لأن الشريعة الإسلامية تحكم هذه البلاد، ودستورها كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وليعلم من تُسَوِّل له نفسه، ومن يُزَيِّن له الشيطان العبث بأمن هذه البلاد واستقرارها، ومن يقترف جريمة التخريب والإرهاب والإفساد في الأرض فقد وقع في هاوية المكر والخيانة، {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} (43 سورة فاطر). واكتسب جرمًا يخزيه أبدًا، وسيلقى جزاءه الأليم الذي قدّره الله له، سواء كان هذا المخرّب مسلمًا أو غير مسلم، لأن هذا التخريب والإفساد يقتل ويصيب نفوسًا معصومة محرّمة الدم والمال من المسلمين، أو غير المسلمين الذين أمّنهم الإمام أو نُوَّابه على نفوسهم وأموالهم.

والإسلام يأخذ على يد الظالم والمفسد والمعتدي على النفوس، والأموال المعصومة بما يمنعه من ارتكاب الجرائم، ويزجره وأمثاله عن البغي والعدوان، لأن الإسلام دين العدل، ودين الرحمة والخير، فلا يأمر أتباعه إلاّ بما فيه الخير، ولا ينهاهم إلاّ عمّا فيه شر وضرر.

فاتقوا الله يا عباد الله، واعتصموا بحبل الله جميعًا، وكونوا يدًا واحدة على كل مجرم أثيم، يريد أن يزعزع أمنكم واستقراركم، ويعبث بمنجزاتكم، وينشر الفوضى في مجتمعكم، قال الله تعالى: {وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (111 سورة النساء). وقال تعالى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} (123 سورة النساء).

ونحن ننعم ولله الحمد في هذه البلاد المباركة بلاد الحرمين الشريفين بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى أعظمها بعد نعمة الإيمان نعمة الأمن والأمان بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ورعاه وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد حفظهم الله جميعاً وبارك فيهم وفي جهودهم وجزاهم عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. فبارك الله بهذه الجهود.. وتلكم الأيادي.

- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية