20-10-2014

هل نحن مجتمع حاضن للتطرف

الفكرة كالبذرة، وزراعة الأفكار كزراعة البذور. بلا تربة وضوء وهواء لا يمكن أن تعلن الشجرة الكامنة عن نفسها وتورق ثم تنتج المزيد من الأفكار، أعني البذور. الفكرة أيضاً بحاجة لظروف معينة لتضرب جذورها في بنية التفكير ومن ثم تتسامق عالياً وتورق ثم تفرخ المزيد من الأفكار. عرف علماء التحليل النفسي أن للزمن دروه في احتضان الفكرة من نبذها. الطفولة هي أخصب مراحل الزمن التي تكون فيها زراعة الأفكار استثمارًا ومضمونًا وطويل المدى عادة.

والطفولة ليست عمرًا للإنسان وحسب. بل الحضارات والثقافات والأفكار لها طفولة وشيخوخة ووفاة أيضاً. وفي الثقافة العربية مازلنا عالقين في حالة معمرة ونادرة، وهي مرحلة نمو الفكرة وتكاثرها، الأفكار لدينا لا تموت إلا بعد أن يموت أجيال وأجيال. تلك الإعاقة والخلل في الطور المعتاد للفكرة (احتضان، نمو، موت) مردها الفكر اليقيني الذي بنيت عليه مجتمعاتنا. فكل العوائق التي تبقينا عالقين في الزمن هي بسبب ذلك العقل الذي احتضن مجموعة أفكار واحتواها وبارك نموها إلى أن غُمرنا بغابة معمرة من الأفكار التي لا تموت!

الأفكار الأولية التي تُبلّط أرضية العقل اليقيني، هي أفكار شديدة الثبات، شديدة الممانعة للتغير، لأنها متوارثة منذ الطفولة، ولها دفئها الخاص ومكانتها المتجذرة في العاطفة، هذا الارتباط الوثيق بالطفولة يلقي عليها ظلا حميما ويجعلها ثمينة لدى صاحبها. المشكلة تكمن هنا، في أن معظم هذه الأفكار سامة وتدميرية لأي مشروع على مختلف اتجاهاته. لأنها قائمة على مفهوم الهوية الواحدة مع تقازم بقية الهويات، وتوهّم أن كل مقدرات الحياة موجودة لخدمة فئته والمتصالحين معها فقط. فيما بقية البشر على هامش الحياة. هذه النظرة المجانبة للواقع في تضخيم الذات وتحقير الآخر هي العش الحاضن لكل فكرة متطرفة، فيما تقوم بعملية طاردة لكل أفكار التسامح والتآلف والاشتراك مع الآخر. لأنها تخدش قداسة الفردانية التي نشأت في أخيلته، وترميه من أبراجه إلى مجرد مشارك في سلسلة الحياة، ومجرد رقم في تعداد (مخلوقات الله).

الأفكار المتطرفة تغذي جشع الذات وتنمي غريزة الافتراس. تعمي البصيرة تماما عن وجود مشتركين في ذات المصير وذات الحاجات. لهذا فالمتطرف نهم غريزياً، فاقد الشعور بالآخر. وهو وإن أبدى تعاطفا مع الآخرين هو إما يطمح لأن تشمله المنافع، أو لأن يحسب لصالح الاعتدال!

هل نحن مجتمع حاضن للتطرف؟ هل لدينا جاهزية لأن نلتف حول كل من يثير شهيتنا للاستئثار بالخيرات؟

ربما ما قلتهُ سلفاً يساعد ولو يسيراً في استشفاف الأجوبة.

kowther.ma.arbash@gmail.com

kowthermusa@ تويتر

مقالات أخرى للكاتب