29-10-2014

الأندية الأدبية.. الديموقراطية العرجاء

تعودت بعض الدول السيطرة على الأصوات ذات التأثير الفكري بها بحجة دعم الأدباء والمثقفين، ومن ذلك دعم الصحف مادياً ودعم الأندية والجمعيات الأدبية والثقافية. تلك الظاهرة بدأت تتلاشى في كثير من الدول، ومن حسن حظنا في المملكة أن الدولة منذ القدم جعلت الصحافة مؤسسات حرة مستقلة، ولم تضع ضمن وظائفها مسيرات رواتب للكتاب والمفكرين والأدباء وإنما آمنت بحرية التنافس وحرية الفعل الثقافي الذي لا يمس بأمنها وثوابتها، وحتى في حالات الدعم يأتي ذلك بطرق واضحة لا توجه للأفراد، وإنما للمؤسسات وفق آلية بعيدة عن التدخل المباشر في أعمالها...

الأندية الأدبية دعمتها الدولة كمؤسسات ثقافية مدنية دون الوصاية على أعمالها، لكن الجهة المشرعة والمشرفة لنظم وأعمال تلك الأندية تعاني عدم الوضوح في حدود إشرافها كجهة تشريع وإشراف وليس تحكم ووصاية. بدليل مرور أربعة مديرين على منصب مدير الأندية الأدبية بالوزارة خلال فترة قصيرة، ولا ندري كم سيستمر الرابع في منصبه. هنا وجهة نظر ربما تكون مدخلاً لإعادة تأسيس الأندية الأدبية.

أولاً: يتم تحرير مصطلح الأدب والأدباء بتعريف أوضح وأشمل وأدق، والأفضل تغيير المسمى الى الثقافي والمثقف. بمعنى تصبح جمعيات ثقافية بدلاً من أندية أدبية. لا يعجبني مسمى النادي لأن النادي يعني نخبة محددة من الأعضاء. وللتسمية في المملكة خلفية تتعلق بالجهة المرجعية إبان تأسيس تلك الأندية، ألا وهي الرئاسة العامة لرعاية الشباب. حيث إن الرئاسة مسؤولة عن الأندية الرياضية واستخدمت مصطلحا مقاربا لما تعودت عليه وما يسمح به نظامها من إقرار تأسيس الأندية الشبابية.

ثانيا: تؤسس جمعيات ثقافية بكل منطقة أو محافظة. ويربط تأسيس تلك الجمعيات بتوفر عدد من الأعضاء، لا يقل عن خمسين عضواً، على سبيل المثال. إذا لم يبادر المثقفون بالاجتماع لتأسيس جمعيتهم فلا جدوى من تأسيس كيان يبقى معتمداً على حماس أفراد قلة أو دعم الدولة.

ثالثاً: يكون أعضاء الجمعية الثقافية هم المسجلين بها وفق شروط العضوية التي تشمل ضمن المعايير الأخرى رسوم عضوية سنوية يدفعها العضو العامل. العضوية المجانية لم يعد لها مكان في العمل المؤسسي الأهلي المدني. وعندما يكون الأعضاء لهم نفس الحقوق المتساوية في الترشح لمجلس العضوية ومحاسبة مجلس الإدارة، يتحول الأمر إلى فعل ديموقراطي مرتبط بنظام مؤسسي ثابت. لست هنا أستحضر فكرة جديدة في البلد فهناك الغرف التجارية والجمعيات العلمية وهيئة الصحفيين على سبيل المثال جميعها تشترط ضمن ما تشترطه رسوم العضوية لها، وتجري بها انتخابات وفق آليات منظمة وشفافة. ديموقراطية الأندية الأدبية الحالية عرجاء لضبابية عضويتها وطريقة تشكيل جمعياتها العمومية..

رابعاً: يشكل الأعضاء الجمعية العمومية التي لها إقرار النظام الأساسي وأية تعديلات عليه، ولها التصويت على إسقاط مجلس الإدارة وإعادة الانتخابات ومحاسبة المجلس على إنجازاته السنوية ومصروفات الجمعية وإيراداتها.

خامساً: يتم تشكيل اتحاد أو هيئة المثقفين السعوديين من ممثلي جمعيات المثقفين. ومرةً أخرى أسوة باتحاد الغرف السعودية الذي يتولى التنسيق بين الغرف المختلفة وتمثيل المملكة في العلاقات الخارجية ذات العلاقة. نلحظ وجود اتحادات الكتاب أو المثقفين أو الأدباء في كثير من الدول، ولا نلحظ ذلك في السعودية بحيث يكون هناك جهة أهلية واحدة تمثل المملكة في هذا الشأن.

نجاح الأندية الأدبية مرهون ببناء هيكل جديد لها ذي استقلالية مؤسسة لفعل ديموقراطي حقيقي، بعيداً عن الترقيع والتدخلات التي نلحظها على كياناتها القديمة التي لم تعد قابلة للتطور والتجدد.

malkhazim@hotmail.com

لمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm

مقالات أخرى للكاتب