29-10-2014

الله لا يغير علينا

من الظواهر التي يجدها الإنسان وتستفز التفكير لفهم دوافعها ونتائجها، هي ظاهرة حركة السكان (population dynamics) فحركة السكان في المجتمعات البدائية والرعوية نشطة بصورة تجعل العلاقة مع المكان علاقة ظرفية، مثل توفر الصيد والمرعى والغذاء والطقس الملائم، لذا لا ترتبط هذه المجتمعات بمفهوم الوطن كأرض ولكن الوطن بالنسبة لها عشيرة وقبيلة تتحرك باستمرار من مكان لآخر كمجموعات بشرية نحو واقع أفضل، أما المجتمعات الزراعية والمدنية فالمكان هو ما يحدد هويتها وهو مصدر معيشتها ورخائها، فتتعلق به وتجتهد في جلب الثروة له وتنتمي له وتدافع عنه، وتقوم العلاقات بين السكان من خلال التجانس في ذلك، وعند هؤلاء تصبح الوطنية أرض والأرض هي مصدر القيمة والكرامة، فيعاب على من لا يملك أرض ويقل شأنه بين الناس ويعاب على من يبيع الأرض حتى لقريبه. وتصبح حركة السكان محدودة في نطاقات ضيقة، أما المجتمع المعرفي فتصبح المعرفة هي القيمة، وهنا تتعقد المفاهيم حول الوطنية والقبيلة والأرض، ويصبح الوطن هو قوة القانون وقدرته على حماية الخيارات الفردية والحقوق المادية والفكرية والقدرة على الانتقال من بلد لآخر وحرية العمل في أي مكان وحرية التصرف في الذات والمكتسبات. وهنا يشابه المجتمع المعرفي المجتمع الرعوي في ديناميكية الحركة ولكن الحركة الفردية.

المقدمة هي تمهيد، لنقاش حالة المجتمع السعودي وجاهزيته للتحول لمجتمع معرفي حسب الخطة الإستراتيجية العامة للدولة من الناحية الديموغرافية، فمجتمعنا اليوم في كل مناطق المملكة هو متسم بسمات المجتمع الزراعي والمدني، حيث المكان، هو الوطن، وقد يتسع الوطن في مفهوم البعض أو قد يضيق تبعاً لتوزيع المصالح, ولكن ما يحدد الوطن هو المصالح الذاتية للمواطن، فالمجتمعات الزراعية والمدنية الخاضعة لحكم ولاية عامة، تتخلى عن المسؤولية الوطنية الشاملة للحاكم وتتمسك بالمسؤولية المحدودة في مصالحها ومناطقها، وهنا ينشأ الصراع بين تلك المكونات الاجتماعية حول اقتناص المشاريع المميزة والمحفزة لاقتصادات مناطقها، ويشتد التنافس بينها ويسعى كل طرف للتأثير في قرارات الحاكم، الذي بيده قرار توزيع التنمية، والحاكم يرى مالا يرى غيره من المواطنين، فهو مسؤول عن خلق الرضا بين المواطنين في منطقة نفوذه وهو أيضا مسؤول عن استقرار الولاء للدولة، لذا يتحسس مواطن الرضا عن سياساته وتصرفاته بين المواطنين، ومع أن هذا الأسلوب في الحكم هو الطبيعي والملائم للحكم في المجتمعات الزراعية والمدنية، إلا أنه يواجه تحدي التحول للمجتمع المعرفي، فالمجتمع المعرفي يستلزم التخطيط المسبق والمبني على مقومات حقيقية للاقتصاد والأمن الاجتماعي ووفرة الموارد بصورة عامة، ويستلزم المجتمع المعرفي مرجعية منهجية في القرارات والسياسية والتنموية لا تحتكر القرار في فردية الحاكم، حيث تصبح المرجعية في القانون والنظام، والخطة الإستراتيجية العامة والمعلنة للناس.

التحول للمجتمع المعرفي سيذيب الانتماءات الأخرى للمنطقة والقبيلة في الانتماء للوطن الشامل ولكن في مقابل ذلك سيطالب المواطن في أن يشارك الحاكم في المسؤولية الوطنية الشاملة، فيزيد من حصته في إبداء وسماع الرأي وصياغة النظام والقانون ويشارك في القرارات السيادية ويحاسب التقصير ويصلح الخلل، ولن يتحول المجتمع لمجتمع معرفي بتمكين التقنية وتحسين الاتصالات، فتلك وسائل فقط، التحول للمجتمع المعرفي يستلزم بنية نظامية وانضباط مؤسسي في الجهاز الحكومي بصورة عامة، ويستلزم شفافية في التخطيط والمعلومات الاقتصادية بحيث يستطيع الموطن استطلاع الفرص الإستراتيجية لتحسين معيشته والتحرك داخل الوطن لاقتناصها، والتحول للمجتمع المعرفي يقتضي الاستعداد لدعم حركة السكان الديناميكية، بتنظيمات الإسكان والنقل والمواصلات ومرافق الخدمة العامة كالتعليم والصحة.

مقالي اليوم هو استثارة للسؤال، هل نحن جاهزون للتحول لمجتمع معرفي؟ أم هي أمنية أكثر من كونها خطة، الواقع يقول إنها أمنية، فليس هناك أي بوادر تقود للاعتقاد بأن هناك استعدادا للتحول للمجتمع المعرفي، فالواقع يمثل للحاكم والمحكوم واقع مريح (Comfort Zone)، لذا تلتقي الرغبات في دعوة واحدة (الله لا يغير علينا).

mindsbeat@mail.com

Twitter @mmabalkhail

مقالات أخرى للكاتب