05-11-2014

جباية رسوم على خدمات فاشلة

إحدى أسوأ الخصوصيات في الإدارات البيروقراطية الفاشلة فرض رسوم مالية على المواطن مقابل خدمات وهمية أو قاصرة. هذا الوضع يشبه إطلاق قوارض بيروقراطية بمرجعيات بيروقراطية مختلفة لقرض الحبوب في مخازن المواطنين، مع إبقاء مخازن الحبوب الحكومية ممتلئة، أو أن تطلق البيروقراطية من ينتشل ما في جيوب المواطنين ودسه في جيوب الحكومة.

في يوم 24-9-2014م وردتني رسالة نصية بمخالفة قطع إشارة ارتكبها السائق الخاص، وتطالبني بدفع مبلغ خمسمائة ريال غرامة. استجوبت السائق فقال إن إشارة المرور كانت صفراء، وإنه أراد التوقف، لكنه شاهد في المرآة خلفه سيارة مسرعة فقطع الإشارة تفادياً لحادث مروري باحتمال نتائج أسوأ بكثير، وهذا ما أيده فيه أفراد العائلة في المقعد الخلفي. أين يقع الشعور بالاستياء والظلم هنا، وفي الحالات المشابهة الكثيرة التي تتكرر فيها غرامات المخالفات؟ الشعور بالظلم والاستياء سببه إحساس المواطن بأن أنظمة المرور تجبي منه أموالاً بادعاء السهر على خدمة المواطن المرورية، بينما واقع المرور في الشوارع السعودية يعاني من حالة انفلات لا مثيل لها في العالم. بيروقراطية المرور تقول بوجود ساهر يسهر على تطبيق الأنظمة، ولكن الانطباع السائد جماهيرياً - وسلطات المرور تعرف ذلك - أن الرقابة المرورية فاشلة وغير كفؤة. النتيجة - على الأقل جزئياً - تتلخص في أن السائق المنضبط عليه أن يتحمل تبعات السائق المنفلت في المخالفات والحوادث وتحمل التكاليف.

هذه واحدة من فصائل القوارض البيروقراطية، وهناك أخرى غيرها.

في يوم الخميس 16-10-2014م تلقيت رسالة نصية من الخدمة البريدية «واصل»، التي أدفع اشتراكها دورياً بانتظام، بورود مادة مسجلة برقم «كذا» إلى صندوقي الخاص، مع تقديم شكر البريد للعميل. حتى اليوم 2-11-2014م لم تصل المادة المسجلة رغم تواصلي معهم بالشبكة العنكبوتية، وتزويدهم لي برقم بلاغ يثبت ذلك.

الانطباع العام السائد هو أن خدمة واصل البريدية فاشلة، ولا تستحق الرسوم التي تجنيها مقابل خدمة قاصرة، وأي استجواب ميداني سوف يثبت ذلك.

يبقى في الساحة البيروقراطية قوارض أخرى. قبل نحو ثلاثة أو أربعة أشهر وصلتني فاتورة كهرباء تزيد بثلاثة أضعاف المبلغ عما أدفعه عادة للاستهلاك الشهري. بعد الاتصال الشخصي اتضح أن إحدى شركات الحفريات في الحي كانت تدير آلاتها الكهربائية بتيار تختلسه من صندوق شركة الكهرباء الرئيسي في الشارع بعد كسر القفل، وتوصيل الآلات عشوائياً، والمواطن يتحمل الفاتورة. هذه المرة تمت تسوية الخطأ بسرعة؛ لأن التعامل مع شركة الكهرباء أسهل بكثير من التعامل مع المرور وخدمة واصل البريدية. أختتم الكلام عن فصائل القوارض البيروقراطية بخدمة الفحص الدوري على السيارات مقابل رسوم مالية، وهي خدمة صورية، ليس لها علاقة مقنعة بسلامة السيارات التي تستعمل الطرق في السعودية. كم نسبة السيارات المهترئة التي تحمل ملصق النجاح في الفحص الدوري؟.. لا تُعَدُّ ولا تُحصَى.

وأخيراً، ثمة قارض محتمل، يطل برأسه على المواطن، تحت مسمى التأمين الطبي الاجتماعي. في حالة استمرار الخدمات الطبية بإمكانياتها ونوعيتها الحالية، ولكن مقابل رسوم التأمين، سوف يتصدر هذا القارض قائمة القوارض الأحدّ أسناناً؛ لكونه سوف يتعامل مع قضايا لها علاقة بالصحة والمرض والحياة والموت.

أعود في النهاية إلى الجملة التي بدأت بها: إحدى أسوأ الخصوصيات في الإدارات البيروقراطية الفاشلة فرض رسوم مالية على المواطن مقابل خدمات وهمية وفاشلة.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب