06-11-2014

براءة الإسلام من سلوك بعض المسلمين

إن النتائج العميقة لمختلف السياسات المحلية والعربية والإقليمية والدولية المترتبة على الصراعات الطائفية والمذهبية التي تعصف بمختلف المجتمعات العربية والإسلامية، أصبحت تشكل ظاهرة عالمية يواجهها المسلمون اليوم على هيئة سيل من الأسئلة الموجهة التي تبعث في نفس المسلم الشك والارتياب وتصيبه بالتوتر، فلا يكاد يمر أسبوعٌ دون أن يثار سؤال من خلال الجدل والحوار في معظم دول العالم عن السلم والسلام في الإسلام ومدى تحقيقه على أرض الواقع، وعن العنف والتطرف عند المسلمين والصراعات في الدول العربية، وانسحب الحوار على الدين الإسلامي نفسه فأصبح موضوع الساعة؛ وقد ساهمت العولمة في انتشار حالة ذهنية عالمية تتهم الإسلام بالعنف والتطرف، ولذلك تظهر بين الحين والآخر من بعض المسلمين الغيورين على الإسلام، بعض ردود الفعل التي تدافع عن الإسلام، يتراوح مدى فعاليتها بين الشجب والاستنكار، إلى السب والدعوة إلى مقاطعة المنتجات الأجنبية، وباختصار شديد فإن المسلمين يمرون بفترة عصيبة في حياتهم لأنهم أمام سلسلة من التحديات المحلية والإقليمية والدولية، ولأن أغلب الدول العربية والإسلامية تعاني من الارتباك السياسي والاضطراب والأمني، الذي يحظى بتغطية إعلامية كبيرة مخرجاتها تتدفق بغزارة عبر وسائل الإعلام، دون تمييز بين سلوك المسلمين واتجاهاتهم الطائفية والمذهبية، وبين وسطية الإسلام وسماحته، فألْصِقت الصراعات الطائفية والمذهبية بالدين الإسلامي. وعند تحليل مكونات التيارات الفكرية العامة لمختلف دول العالم اليوم، نرصد دائماً الاهتمام العالمي بالإسلام، لأنه يحتل مكاناً وسطاً بين الحضارات المختلفة، والأيدلوجيات المتنوعة، والديانات الأخرى، ومنهج حياة يستوعب الأصالة والعولمة معاً. وفي الوقت الحاضر، لا يمكن التملص من الإجابة على الأسئلة المطروحة عن الإسلام والمسلمين، مما يتطلب من كل إنسان، على اختلاف الحضارات والأديان، البحث عن الحقائق واستخلاص النتائج للوصول إلى الفهم الصحيح، والتفريق بين مبادئ الدين الإسلامي وسلوك المسلمين على أرض الواقع. فعلى الرغم من الفشل الساحق الذي منيت به حملة الإساءة العالمية للإسلام، والدليل على ذلك التزايد المستمر في نسبة المعتنقين للدين الإسلامي على مدى العشر سنوات الماضية، إلا أن الضجة التي أحدثتها حملة الإساءة، لفتت نظر مراكز الرصد الآيدولوجي لإدراج التيارات الإسلامية المختلفة ضمن الدراساالإستراتيجة الخاصة بها، مما عزز القناعة عند بعض المسلمين، بأن هناك مؤامرة دولية تحاك ضد الإسلام والمسلمين، وفي نفس الوقت، وعلى قدم المساواة من الوضوح، نجد أن آلة الإعلام الحديث وردود الفعل السياسية تغذي تلك القناعة، وترسخ عقدة المؤامرة، فكثرة الجدل حول الإسلام تشحذ فضول الجماهير، فتصبح جاهزة بآذان صاغية للخطاب السياسي عند مرشحي الانتخابات في دول العالم الغربي. وعصر التكنولوجيا المتقدمة الذي نعيشه اليوم، يتميز بالمعالجة الفورية للمعلومات والمنافسة العالمية، لذلك فإن الإسلام يعتبر مادة مربحة، حيث تحقق مؤسسات الإعلام الحديث مبيعات مرتفعة، عندما تنجذب الجماهير الغفيرة حول العالم إلى شاشات الأجهزة الذكية المحمولة وشاشات التلفزيون، لمتابعة ظلم المسلمين وحملة الإساءة للإسلام، ولكي تحافظ المؤسسات الإعلامية الحديثة على حصة سوقية متزايدة ومربحة من الإسلام، تستمر في التلاعب والمناورة بالأيدولوجيات المنتسبة للإسلام، وتوظفه بمنطق الرأسمالية، لجني الأرباح. فبواسطة الإعلام العالمي والتسونامي السياسي يتم تلبيس الحق بالباطل، وتصوير الإسلام على أنه خطر يهدد العالم.

ومهما كانت نظرة الاستياء العالمي للعرب والمسلمين، سواء بسبب مظاهر التدين أو اللباس أو الأسماء العربية المسلمة أو لون البشرة أو بسبب الصراعات العربية، يجب على العرب أولاً وقبل كل شيء، أن يتخلصوا من العقلية التقليدية، بأنهم ضحايا مزمنة لمؤامرة عالمية، ومن ثم يجب عليهم، التعلم كيف يمكن للمجتمعات بأن تختلف أفراداً وجماعات وأحزاب وفئات، وتحقيق نتائج مربحة للجميع، ودون أن تحصل خسائر في العلاقات والمصالح والثوابت، ودون أن يتعطل الإنتاج ويتوقف العمل وتتضرر البلد، ويذهب الأمن وتختفي المودة، فجميع الأمم من حول العرب، في الشرق والغرب في أمريكا وأوربا واليابان وكوريا وغيرها من البلاد، تجد أنه ما من دولة أو أمة من الأمم إلا وبين أبنائها وفئاتها من الاختلافات الشيء الكثير، لكنها استطاعت أن توظفها في بناء مجتمعاتها وتطورها والحفاظ على وحدتها وقوتها. والخلاصة أن الصراعات الطائفية والمذهبية بين العرب تغذي الحملة العالمية للإساءة للإسلام، ولذلك فإن تغيير صورة الإسلام في عيون العالم، مسؤولية تتطلب من العرب التعلم أن الاختلاف يجب أن يصب في مصلحة البلاد والوطن والأمة فيربح الجميع.

khalid.alheji@gmail.com

Twitter@khalialheji

مقالات أخرى للكاتب