07-11-2014

رسالة إلى طبيب سعودي

يحدث دائما ما لا نتوقعه، وربما كتابة هذا المقال وبصراحة أصعب علي من وقع الحدث نفسه، لكني أؤمن بمشاركتك أيها القارئ الكريم بما ألم بي فقد أصبحنا أنا وأنت تجمعنا رابطة الحبر والحرف والحياة في هذه الواحة منذ أكثر من أربعة أعوام، أدام الله عليك نعمة الصحة التي عرفت معناها الحقيقي حين واجهني مرض ابني الخبيث وترصد بأحلامي وترك آثار قبضته على أنفاسي.

لا أخفيك أن داخلي لم يكن مرآة لهيئتي الخارجية، وما كنت أحتفظ به داخل صندوق القلب (مكمن أسراري العميق) لم يكن نفس الصوت الذي كنت أدعيه أمام الآخرين، وأن القوة التي كنت أظهر بها كانت آلاف المرات عكس ضعفي الذي شعرت به للمرة الثانية في الأربعين عاما التي أحملها كعبء ثقيل يتراءى لي اللحظة، ويكاد يخنقني رعب الشعور بفقدان ولدي سلمه الله وإياك.

ما زلت أذكر جيدا رحيل ذلك العظيم أبي قبل عشرين عاما وأنا في مقتبل الحياة والأمل ولم أكن بعد ودعت طفولتي، رحل فجأة وبنفس المرض الكابوس الذي أعيشه اليوم مع ولدي، كان لي أن أدرك بعدها أن ذاك الأمر أكبر أحزان الكون وما يأتي بعده يهون، لكنني اليوم وأنا أستعرض الحياة كشريط سينمائي أحاول مرارا أن أتشبت بأحلامي وكل السنين وهبات الله عز وجل وطفل كان ثم أصبح اليوم رجلا يحمل في دمه خلايا دمي، وفي سنواته العشرين ذكرياتي، وفي مستقبله الذي سيكون إن شاءالله ما حملته وزرعته وبنيته وأردته له أن يكون.

حين طارت تقاريره إلى لندن وباريس كان إصراري أن يكون علاجه هنا على هذه الأرض الطيبة، وكنت أحمل لمن تبرع لنقلها هناك كل مشاعر المحبة والعرفان والتقدير وأخص بالذكر المبدعة من وطني د. حنان عنقاوي الذي يتسرب نورها وبهاؤها كما النور من بين أصابع الغيم في مدينة النور باريس، ولينا تلك النخلة الطيبة حبيبتي اللدودة التي تشرق بقلبها العربي في عاصمة الضباب لندن، وفي وقت حاول فيه الجميع إقناعي أن أحمل روحي على كفي وأطير بها لغربة لا أحبذ أن تفترسني وحيدة دون أنفاس الرياض وحكاياتي مع تفاصيل يومي التي أدمنتها هنا، فقد كان قراري بعيدا عن عاطفة الأمومة أن أتوكل على الله وأقوم بعمل العملية هنا وعلى يد جراح سعودي أشار به علي رفيفي فهد سلمه الله الذي يؤمن معي بإنسان هذا الوطن وقدراته.

تذكرت مرارا جملة مبدع فرنسي التقيته في مقهى باريسي الصيف الماضي وكنا نتناقش موضوع تطور العواصم والبلدان العربية والغزو الذي غزا ملامحها فجأة، كما إبداع وتميز مبتعثو المملكة في الخارج في المجالات العلمية والاختراعات، قال لي الرجل: لديكم الإنسان أهم من الكونكريت، فقد أبدع الكثير منهم هنا وأسمع عن مركز الملك فيصل التخصصي للأورام وهو الأفضل في الشرق الأوسط وقد حاز أطباؤه على جوائز عالمية»

لما تذكرت كلماته هذه أرسلت برسالة إلى هاتف الطبيب الذي سيقوم بإجراء استئصال الورم لابني كتبت له فيه»

كنت آمل أن تعرفت إلى طبيب سعودي مبدع في مجاله في ظروف أفضل من هذه الظروف التي أجزع فيها لما أصاب محمد،

فإسمح لي سيدي الكريم أن أكتب لك اعترافا:

بالأمس حين جئتك مع ولدي كانت هناك خيارات لأسماء أطباء كثر سواء على أرض المملكة أو خارجها

لكن قلبي الذي يؤمن بمبدعي هذا الوطن وعقلي الذي واكب معظمهم داخل وخارج الوطن وما كتبت ومن التقيت في برامجي وضعني كل هذا تحت اختبار واختيار لم يكن سهلا بالنسبة لي، واخترتك لتكون الملاك الذي سيحرر ولدي من الغول الأسود الذي يتربص بشبابه وهو في مقتبل الحياة والأمل. أرجوك أن تعمل جهدك لنزيل هذا الكابوس المقيت،

سلمك الله ومنحك القدرة والنجاح ليكون محمد انتصارا جميلا وإنجازا يضاف لإنجازاتك»

أيها القارئ العزيز جدا؛ على صفحة مجاورة في هذه الصحيفة كان لتجربة الصديقة الشاعرة د. فوزية أبو خالد مع هذا المرض حكاية جعلتني أمسك ترسا قويا خلال معركتي معه، وفي لقائي بها في برنامجي «من سوانح الذكريات» كان للحكاية لذة الانتصار، فادع معي أن يشفي الله مريضي ومرضى المسلمين فإن الله قدير عظيم قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.

maysoonabubaker@yahoo.com

Mayabubaker@ تويتر

مقالات أخرى للكاتب