في خطبتي الجمعة من المسجد الحرام وجامع الإمام تركي بن عبد الله في الرياض

سماحة المفتي: إنزال حكم الشريعة بالمجرمين والمفسدين نعمة من الله لنعيش الأمن والاطمئنان

مكة المكرمة - الرياض - واس:

أكد سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ أن الرحمة صفة من صفات الله - عز وجل - تليق بجلاله وكرمه ذكرها الله في أول آية من القرآن الكريم , قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم . وأوضح سماحته في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس في جامع الإمام تركي بن عبد الله بمدينة الرياض أن هذه الرحمة منها رحمة عامة لجميع الخلق جنهم وإنسهم حتى الحيوان والنبات والجماد ورحمته وسعت كل شيء، ومنها رحمة خاصة بالمؤمن للدار الآخرة فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِين .

وأضاف سماحة مفتي عام المملكة أن لمظاهر الرحمة أمورا عديدة منها أن من رحمة الله بعباده أن شرع الحدود والقصاص والتعزيرات الشرعية لإقامة العدل في الأرض , قال الله تعالى عن نبيه وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ فالحدود والتعزيرات الشرعية والقصاص كلها سبب لأمن الأمة واستقرارها، فمن رحمة الله بها أن تطبق عليها أحكام الشريعة في ذلك يقول الله تعالى (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُون).

وبين سماحته أن من رحمتنا بالعاصي أن نقيم حد الله عليه قال تعالى وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ومع أن القصاص حياة للنفوس قال تعالى ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ، فقتل القاتل وقطع السارق وجلد الزاني وجلد شارب الخمر وغير ذلك , مؤكداً أن حدود الله تقام لتصلح العباد وتستقيم أحوالهم وهي وسائل شرعية يقيمها الإمام ليردع الظالمين والمجرمين، وليعلمهم أنه جد ليس بهزل وأن من تعدى حده وقف عند حده، ولا ينتظر ليعيث في الأرض فساداً ليقتل أو يظلم فلا بد من عقوبته وإنزال حكم الشريعة به، ليهلك من هلك عن بينه ويحيا من حي عن بينه.. مبيناً أنه في عهد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وفد إليه بعض قبائل العرب فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا فصحّوا، فلما صحوا قتلوا الراعي فأمر أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف اليد اليمنى والرجل اليسرى ، اليد اليسرى لليمنى، ثم أمر بأعينهم أن تكوى بالنار ثم تركهم بالحرة يستسقون ولا يسقون حتى ماتوا جوعاً وظمأ، قال هؤلاء كفروا وارتدوا وسرقوا بعد إيمانهم أنزل الله في ذلك قال تعالى إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ .

وأكد سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أن إقامة الحدود رحمة من الله للقضاء على المجرمين وقطع دابر المفسدين وإقامتهم عند حدهم نعمة من الله لنعيش الأمن والاطمئنان، فمن دعائم الأمن إقامة حدود الله والأخذ على المفسدين الذين أصبح خلقا لهم، فلا بد من أن يوقفوا عند حدهم مبيناً أن الفساد في الأرض ضرره عظيم وشره مستبد، ولا بد من إيقاف هؤلاء عند حدهم وأن من تعد عن حده وقف عند حده، ومن سولت نفسه الشر والبلاء إذا ذكر هذا المصير وهذا الأمر ارتد عن جرمه وارتد عن ظلمه وقطع الحق والواقع.

من جانبه أوضح فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود الشريم أن من يتلاعبون بأمن المجتمع المسلم إنما هم يقطعون شرايين الحياة عن الأجيال الحاضرة والآمال المرتقبة، وهم يمتطون بوعي أو بغير وعي عدوهم المتربص بهم ليزيد سقمهم علة وطينهم بلة . وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس في المسجد الحرام « إن حياة بما فيها من حضارة ووفرة عيش ينقصها الأمن لهي حياة خداج، وإن نوما بلا أمن لهو قلق وأرق، وإن عبادة تفتقر إلى الأمن لهي عبادة مشوشة يكثر الالتفات فيها ، لأن البشر في حاجة ملحة إلى أمن يتحقق بما عندهم من إيمان، فإن من آمن أمن ومن أمن نما ولا حياة مستقرة دون توافر هذا الهرم». وأضاف يقول « الأمن مطلب الأمم فلا يزهد فيه إلا من كره الحياة الكريمة ولم يرض بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً، كيف لا وهو المنة التي توجب على العباد شكر واهبها بعبادته على الوجه الذي يرضى به عنهم، وأن لقمة يطعمها المرء لن يهنأ بها تحت وكزات الخوف والفرق، وان عبادة تناوشها الخوف من كل جانب لن تكون كاملة مستقرة، فما سميت صلاة الخوف بذلك ولا نقصت صفتها وعددها وشروطها وسننها إلا لداخلة الخوف وانسلاخ الأمن، وانه لا أمن بلا إيمان ولا نماء بلا أمن وضمانات واقعية ضد ما يعكر الصفو في أجواء الحياة اليومية».

وأردف قائلاً « الأمن ضرورة من ضرورات الحياة لا تقبل المزايدة ولا لي الذراع، بل إن الأمن حد لا يحتمل التأويل ولا الفهم الخاطئ ولا الإهمال، فالأمن ضرورة لا تتحقق إلا بتحقق حفظ الضرورات الخمس التي أجمعت عليها الديانات والملل وهي الدين والنفس والمال والعرض والعقل, مبيناً أن من يخل بالأمن كالذي يخرق سفينة المجتمع الماخرة وما على أهل السفينة إلا أن يقذفوا به خارجها حتى لا تغرق بهم جميعاً، وأن المساومة على أمن المجتمع لا تقع إلا ضمن نسيج من الأعداء المتربصين به وان استعملوا في نفاذ اختلاله الأغرار من أبنائه والأجراء ممن لديهم مسكة عقل.. إن من يهز أمن المجتمع فإنما يهز أمن نفسه قبل كل شيء ثم أمن أمه وأبيه وأخته وأخيه وصاحبته وبنيه قبل أن يهز أمن المجتمع برمته، كل ذلكم قد يكون من خلال الحاد فكري يعصف بالدين أو سفك دم يعصف بالرقاب المعصومة، أو بجرعة مخدر أو شربة مسكر يغيبان العقل أو بسرقة مال أو أكله بالباطل لتطيش حقوق المجتمع الاقتصادية، أو بهتك عرض وفعل فاحشة يضيع معها الشرف والكرامة».

وأكد فضيلته أن من شذ مثل هذا الشذوذ فطال أهله ومجتمعه إنما يعرض نفسه لحتفه بالغاً ما بلغ من العنفوان والشجاعة والمكر والخديعة والله خير الماكرين، لذلكم صار في قتل مجرم واحد حياة هنيئة لأمة بأكملها ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ، لافتا الانتباه إلى أن الشريعة الغراء جاءت بعقوبات صارمة من أجل الحفاظ على أمن المجتمع الذي لا يختص استحقاقه بأحد دون أحد، فقطعت كل حبل يفضي إلى التهاون بتلك العقوبات أياً كان هذا التهاون، سواء أكان في الاستحياء من تعيير حضارة الغرب لها أو في تنشيط الوسطاء في إلغائها أو تهميشها. وبين أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولأجل أن نعرف حقيقة الأمن وصورته فلا بد أن تكون هذه المعرفة متصفة بالشمولية وألا يضيق عطنها من خلال طرح مستهجن بقصر الأمن على الخلو من الجرائم الجنائية فحسب، فإن مفهومه أعم من ذلكم بمراحل. كما أن رجل الأمن ليس هو المسؤول عن الأمن فحسب، إذ كل فرد من أفراد المجتمع المسلم يجب أن يكون رجل أمن .

وشدد الشيخ الشريم على انه ينبغي علينا جميعاً معرفة شمولية مفهوم الأمن وأنه يشمل مراكز القوى في المجتمع المسلم الواحد وعلى رأسها الأمن الديني وذلك بالاستسلام لله بالدين والعمل على تحقيق ما يرضيه بطاعته بما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع لأن الله - جل وعلا - قد قال « فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةً أو يصيبهم عذاب أليم» ، فما حلت الفتن بمجتمع مسلم إلا وثمة خلل في علاقتهم مع ربهم بذنوب ارتكبوها أو واجبات تهاونوا بها، فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.

وأبان أن من مراكز الأمن الشمولي الأمن الغذائي وما يسمى الأمن الصحي الوقائي، إضافة إلى ما يتعلق بالضوابط الأمنية في مجالات التكافل الاجتماعي والعمل التطوعي وتهيئة فرص العمل والإنتاج المعيشي والقضاء على البطالة المثمرة والخلل والفوضى، ودراسة الظواهر الأسرية وما يعتريها من ثقوب في بنائها، لأن الأمن بين الزوجين سبب لأمن الأولاد ثم أمن العشيرة ثم أمن الأمة المؤلفة منهم جميعا، وأن من مثل ذلك الأمن يتكون مزاج الأمة شريطة عدم إغفال ما هو أهم من تلك العوامل الذي يعد هاجساً ملحاً لكل مجتمع، ألا وهو الأمن الفكري الذي يحمي عقول المجتمعات ويحفظها جميعاً من الوقوع في الفوضى الفكرية .

ورأى أن خير ما يتوج به حفظ الأمن الفكري عنصران رئيسان، أولهما: الفكر التعليمي، وثانيهما: الأمن الإعلامي، فكما أن للأموال لصوصاً فكذلك للعقول لصوص، بل إن لصوص العقول أشد فتكاً وانكي جرحاً من لصوص الأموال، فلا أمن إلا بسلام ولا سلام إلا بالاستسلام للواحد الأحد لا شريك له.

موضوعات أخرى