12-11-2014

عودة العراق إلى الحضن العربي

الرئيس العراقي فؤاد معصوم الذي حل ضيفاً مكرماً على المملكة قد لا يعرف الكثيرون أنه أستاذ متخصص في الفلسفة الإسلامية، وأنه - وهو الكردي المتحدر من محافظة السليمانية - متبحر في اللغة العربية، ومتخرج من جامعة الأزهر في مصر، ونال شهادة الدكتوراه (العالمية) من الجامعة متخصصاً في الفلسفة الإسلامية؛ لذا فقد اعتُبر فيلسوفاً من بين طبقة السياسيين الذين حكموا العراق بعد عام 2003م. وقد انعكس سلوكه الفلسفي على أدائه السياسي؛ فلم يُعرف عنه موقفٌ حاد أو متطرف عندما كان يرأس التحالف الكردستاني في مجلس النواب العراقي، وكان الرجل توافقياً، وكثيراً ما يقوم بدور الوسيط بين الكتل المتناحرة في المشهد السياسي العراقي.

الآن، الدكتور فؤاد معصوم انتُخب رئيساً لجمهورية العراق ممثلاً عن الأكراد، بعد توافق العراقيين على تقسيم الرئاسات الثلاثة بين الطوائف العراقية، فكان من نصيب الأكراد رئاسة الدولة، ورئاسة الحكومة للطائفة الشيعية، ورئاسة مجلس النواب للطائفة السنية. ومثلما كان سلفه جلال طالباني رجلاً مقبولاً موثوقاً به يحظى الدكتور فؤاد معصوم بكل هذا، ويزيد عليه أن الرجل أكثر إيجابية وتفاعلاً، ويسعى لجعل منصب الرئاسة في العراق أكثر إنتاجاً وإسهاماً في تفعيل السياسة العراقية، وبخاصة دمجها في محيطها العربي، الذي تقلص، وكاد يضمحل بسبب سعي أطراف إقليمية للاستفراد بالعراق، وحرمانه من عمقه العربي الإستراتيجي؛ ولهذا فإن زيارته للمملكة العربية السعودية ينظر إليها العراقيون خاصة على أنها مفتاح التحرك الرئاسي لإعادة الحرارة للعلاقات العراقية - العربية؛ إذ يرون أن طريق العودة لحضن الأمة العربية لا بد أن يمرَّ عبر السعودية، وأن خير من يقوم بهذه المهمة هو رأس الدولة، رئيس الجمهورية، رغم القول بأن المنصب منصب بروتوكولي كما تشيع بعض أطراف العملية السياسية في العراق. والصحيح أن رئاسة الجمهورية في العراق مثلها مثل رئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب؛ لها صلاحيات ومهام تكمل بعضها بعضاً، وصلاحيات رئيس الجمهورية إذا ما فُعّلت تُحِدُّ كثيراً من تجاوزات رئاسة الوزراء أو رئاسة مجلس النواب. وإذا كان الرئيس السابق قد فضل عدم الصدام مع رئاسة الوزراء في الفترات السابقة فإن الرئيس الحالي ونوابه الثلاثة لن يسمحوا بتكرار تهميش دور الرئاسة، خاصة في تصديها لإعادة العراق إلى محيطه العربي، ومعالجة أخطاء الماضي بترتيب مسار العملية السياسية، وإلغاء الإقصاء والتهميش، وتفعيل وشائج الوحدة الوطنية. فهناك نائب رئيس مهمته تحقيق الوئام والوحدة الوطنية، وإعادة العراق إلى محيطه العربي، وإعادة العرب إلى العراق. والواقع أن الدول العربية تتحمل مسؤولية ترك العراق ليحتل مكانهم الآخرون الذين لم يكتفوا بملء الفراغ، بل سعوا - وما زالوا - إلى تنفير العراقيين من العرب بتحميلهم مسؤولية تفشي الإرهاب الذي هو من صنع الأغراب الذين نشروا الشعوبية في العراق، وعملوا على توسيع الكراهية ضد كل ما هو عربي.

والآن، وبعد التوجه العراقي الجديد بالعودة إلى الحضن العربي، على العرب جميعاً دعمهم ومساندتهم، وبخاصة المملكة التي وضعها قدرها في مقدمة القاطرة العربية الساعية لإعادة القوة والمجد لهم.

jaser@al-jazirah.com.sa

مقالات أخرى للكاتب