13-11-2014

أين الفرسان ؟

** شهد مهاتفتَهما وسمع من كان بحضرته يردُّ بحسمٍ مؤكدًا أنه لن يجعل صحيفتَه ممرًا لانتقاد الصحيفة المنافسة ومسؤولِها الأول؛ فما بينهما الميدان تحريرًا واستكتابًا وتوزيعًا وإعلانًا، أما ما فوق ذلك أو دونه فتربطُهما وشائجُ محبةٍ صنعها عمرٌ جميلٌ عدَّد مآثرَه وأشاد بمواقفه.

** وعى صاحبُكم الطرفين «المخاطَب والغائب» وعرف المتكلمَ دون أن يسأل صاحبَه أو يعلقَ على الحديث فأكبرَ ما قاله بصمت، ومرت بضعَ عشرةَ سنةً ولم ينسَ الحكاية ، وأضاف إليها ذاكرةً وعت مشابهَها ومُناقضَها، واستعاد كمًا بشريًّا عاش معهم أو عايشهم وفيهم أولاءِ وأولئك ومَن بينهما.

** الحياة ميدانٌ تنافسيٌّ شرسٌ لا مكان فيه لمستكينٍ أو مسكينٍ وتبقى الأخلاق فاصلًا بين مَن نهجُه النقاء وهدفه الارتقاء ومن همُّه الإطفاء والإخفاء والإيذاء ، وقد يمكن اعتيادُه على مستوى الأفراد ؛ « فقديمًا كان في الناس الحسد» لكنه موجعٌ حين يتصل بالتنظيم والإدارة، وعندما يستثارُ به الجماهير، وحينما يتصدره من نحسبُهم كبارا.

** رُوي أن الأديب الفرنسي (أندريه جيد 1869- 1951م) كان مناوئًا أديبَها الآخرَ ( فكتور هوغو 1802-1885م) غيرَ ميَّالِ لإبداعاته، وسئل يومًا عن أعظم شعراء فرنسا فأجاب: «هوغو مع الأسف»، وسواءٌ أثبتت العبارةُ أم لا فثمَّ حكاياتٌ مشابهةٌ يسمو فيها الإنسانُ فوق توجهاته واصطفافاته ويقولُ الحقَّ عن خصمه «المعرفيِّ والسياسيِّ والدينيِّ» مثلما يقوله عن إِلفِه، ولكن النوادرَ لا تُمثل القواعد التي يسكنُها التحاسد والتباغض والتدابر والكيد والسعيُ والوشاية، ونُقل من أقوال الشيخ الإمام عبدالرحمن السعدي رحمه الله أن الوقيعة في الناس للإغراءِ بعقوبتهم أو أخذِ مالهم أو منعِ حقوقهم بغيٌ يُتوقعُ لمن عمله عقوبةٌ عاجلةٌ وآجلة.

** تزايدت حالاتُ التوتر اللفظيِّ والنفسيِّ فيما نقرأُه ونسمعُه ونشهدُه؛ فاللجاجُ أصلٌ والغضبُ لغة والتشاتمُ نهج والمستهدَف ليس الظاهرةَ بل الشخوص حتى بدونا مُزَقًا متناثرةً لا يجمعُنا وطنٌ ودينٌ ونسبٌ ومصيرٌ، وغدت المنافسةُ على انتصارِ الذات عمياءَ لا ترى بغير عينيها ولا تُصغي إلا لصوتها وتتأهبُ للقضاءِ على الخصم بضرباتٍ قاضيةٍ تدعو إلى اجتثاثه من جذوره، وتأثرت من ثَمَّ أساليبُ التابعين باستعداءات المتبوعين فامتلأت مفرداتُهم بالتحريض والتهديد والتخويف؛ فمن المستفيد؟ بالتأكيد ليس الوطن ، وما الدافع ؟ حتمًا ليس المُواطَنة.

** صارت تنافسيةُ الأدلجة وبالًا، وقد وسعنا الاختلافُ قبل ثنائية «الخميني وجهيمان»؛ فلم يقصِ تيارٌ تيارًا، وحين علت الأدلجة «الصحويةُ» أقصت واستعدت، وإذ دار الزمنُ فقد مارست «اللَّبرلةُ» ما مارسه خصمُها وبات المستقلون - وهم الأكثريةُ - زاهدين في الفرجةِ على صراعٍ رديءٍ يُوقدُه تزاحمٌ على واجهةٍ خادعةٍ تفتحُ منافذَها وَفقَ متغيراتها ومصالحِها فلا تَبقى على حال ولا تُبقي على مثال.

** مرَّ معظمُنا بتجاربِ التنافسِ العلميِّ والعمليِّ وبقِينا أصفياءَ وأصدقاء؛ فليتنا نستعيدُ نفوسَنا المضيئة.

** التنافسُ فروسية.

ibrturkia@gmail.com

t :@abohtoon

مقالات أخرى للكاتب