تصريف السيول والحلول المناسبة

هناك حلول مناسبة لحل مشكلة تصريف السيول في مدن المملكة العربية السعودية تتمحور حول «هندسة التصريف» و «إدارة المشاريع والعقود»، ولكننا لازلنا نلجأ إلى الحلول الأسهل، ونعمل على ما هو دون ذلك. ولكي نقرب الحل من

المشكلة، يجب العمل على إيجاد العوامل الرئيسية والأساسية للنجاح.

شهدت المملكة تعثرا لتصريف الأمطار والسيول في السنوات القليلة الماضية لمدن مثل جدة والطائف ومكة المكرمة واحدى مدن منطقة عسير وجازان وتبوك وغيرهم، وكان التعثر على درجات مختلفة بعضها كان كارثيا مثل جدة (مرتين) عام 2009م وعام 2011م، وبعضها كان شبه كارثي مثل تبوك العام الماضي وبعض الأنفاق في مدينة الرياض وخلال الأسبوع الماضي كان هناك تعثرا لتصريف الأمطار والسيول في مكة المكرمة والطائف، ويكاد الجميع يتفق أننا لسنا في أمان مطمئن من المستقبل بهذا الشأن.

معالجة تصريف السيول لم تؤخذ محمل الجد، بل كانت حلولا مؤقتة لعدة أسباب، منها أن الهدف كان محاولات منع تكرار الأحداث، فكان العمل سريعا ولم يتح الوقت الكافي لمعرفة الأسباب وتحديد التعثر من مبدأ «هندسي»، وأيضاً كان البحث عن الحلول السهلة نظراً لعدم الرغبة في تحمل المسئولية لصعوبة تنفيذها.

أخشى أن الحلول غير كافية، وتستهدف تحويل المدن إلى مجرى مفتوحا شمال-جنوب ومجرى مفتوحا شرق-غرب، ومجاري سيول مفتوحة وفروع تصب في المجرى الكبير. هذه الحلول ليست فقط تشويها لمنظر المدينة ولكنها حلول بسيطة ومؤقتة ولا تستخدم في الدول المتقدمة وخطرة على الآخرين أثناء الأمطار لعدم معرفة حدودها بعد انجراف شبوكها أو أسوارها المحيطة بسبب الأمطار.

التهرب من المشكلة ليس حلاً، فنحن نقف دون عمل حتى تحدث كارثة، ثم نبدأ العمل، والدليل أننا لم نتعلم من كارثة جدة الأولى، ولا كارثة جدة الثانية، وكل سنة يخرج لنا مدن جديدة بنفس الأعراض.

التصريف للمياه ثلاثة أنواع، الأولى تصريف مياه المنازل والثاني تصريف الأمطار والثالث تصريف السيول. عادة لا يتعثر العمل في أنابيب تصريف مياه المنازل ولكن يتعثر التصريف في أنابيب تصريف الأمطار مثل أنفاق الرياض العام الماضي، ويتعثر تصريف السيول مثل ما حدث في جدة.

آلية وميكانيكية عمل التصريف ليست صعبة ولكنها طبيعية، ونقول طبيعية لأنها تعمل بمنهجية «الجاذبية»، أي تسير من أعلى إلى أسفل، ويعوقها سببان: (الأول) عنق الزجاجة، وهو عندما يكون حجم المياه أكبر من استيعاب فتحات بداية الأنابيب أو في منتصف الأنابيب تحت الأرض، و(الثاني) عندما يتم تغيير مجرى أنابيب تصريف السيول لسبب مثل حفر الأنفاق أو حفر محطات القطارات، وهذا هو الصعب، وكلاهما يمكن إصلاحه إذا تم العمل عليه بجدية.

يجب أن نعلم أن المنازل والأحياء تقوم بعمل كالحواجز لمجرى المياه والسيول فوق سطح الأرض، وهذا يعطي قوة دفع للمياه متى ما اجتمعت بين المنازل، وأحيانا تدفع المياه كأنها في أنهار سريعة أو أمواج هائجة، وهذا ما يجعل كمية المياه أكثر من استيعاب أنابيب التصريف، ولذلك يتوجب عمل التصريف في كل الأحياء وكل الشوارع.

وطبعاً هذا يزداد إذا كانت الأحياء في طرق الأودية والشعاب.

الأنابيب تعمل بمنهجية «الجاذبية»، فتكون مائلة من منتصف المدينة إلى أطراف المدينة، والمجاري الرئيسية تكون كبيرة جداً بمساحة تتسع لمرور سيارات صغيرة ومتوسطة الحجم. وفي حال كان سطح المدينة مائل من جهة واحدة فقط (مثلا) من الشمال إلى الجنوب، فيكون ميلان أنابيب التصريف يبدأ من الشمال بعدة نقاط باتجاه الجنوب، وعدة أنابيب متوازية.

ويصعب التعديل عندما تكون المدينة كبيرة ومزدحمة بالمنازل والطرقات، ولكن يتوجب العمل السليم والصحيح حتى وإن احتاج مجهوداً كبيراً، فعدم العمل على الإصلاح السليم بمثابة تفخيم لمشكلة مستقبلية.

أما المصيبة العظمى فهي إصلاح ما تسبب به حفر الأنفاق والمحطات الأرضية كالقطارات، وحلها ليس مستحيلا ولكنه صعب.

عادة يكون السبب هو إعادة توجيه أنابيب تحت الأنفاق، وأيضاً تصريف المياه المتجمعة (بفخ) الأنفاق; فيعتمد المقاول على تركيب مولدات شفط لا تستطيع أن تعمل عند الحاجة، وتكون بأدنى المعايير عند التركيب نظراً لهدف التوفير لدى المقاول وضعف معايير الجهات المسؤولة والمكاتب الاستشارية المعتمدة لتلك المشروعات; وأيضاً لأن المشروع منفصل عن بقية شبكات المنطقة (أنابيب مياه وتصريف، وكابلات كهرباء واتصالات)، فقط عمل توصيل ونجدها بطبيعتها تعمل للكابلات وأنابيب المياه ولكن للتصريف فلا، خصوصاً مياه السيول.

هناك حلول ممكنه ولكنها تتوجب مباشرة الأعمال بطرق مختلفة عن الماضي، أرى أنه يتوجب تفعيل دور (أخصائيين) ينوبون عن القطاعات الحكومية في إدارة المشروعات، والمقصود هنا أساتذة الجامعات المحلية، ينوبون عن القطاعات الحكومية في التعاقد والتعامل مع شركات هندسية أجنبية م تخصصة لإيجاد الحلول الصعبة وهذا يتوجب قوة تقنية متخصصة وأيضاً قوة في العقود، وعادة تعمل هذه الشركات الأجنبية بطريقة EPC cost plus أي يعملون دراسة ومراجعة الأوضاع الحالية وعمل الحلول الهندسية المناسبة (على مستوى المدينة) ويشرفون على أعمال التنفيذ مقابل (نسبة ثابتة من قيمة التنفيذ) حتى لا يطغى التحفظ على الحلول ولا التمادي في التثمين، ومثل ما سبق ذكره، يجب أن يشرف على أعمال هذه الشركات الهندسية الأجنبية أساتذة الجامعات المحلية بحكم التخصص كما سبق ذكره. ويجب أن نذكر أنه يجب مراجعة تصريف السيول والأمطار في مدن المملكة خصوصاً الكبيرة قبل حدوث الكوارث.

- م. برجس حمود البرجس

@barjasbh

موضوعات أخرى