18-11-2014

اختطاف المبتعثين والتربص بهم «بين السندان والمطرقة»

هؤلاء المبتعثون هم أولادنا.. ثروة بلادنا.. أملنا المنشود ومستقبلنا الموعود.. ومع كل ما يُبذل لهم ويقدَّم إلا أن الأولاد قد يكونون - لا قدر الله - فتنة وبلاء، بل إن منهم من هو عدو لنا، عداوة ظاهرة، أو أنها خفية، وهذه أشد وأنكى.

أثارني بصدق ما نشرته جريدة «الحياة « في عددها الصادر يوم الجمعة الماضي «الصفحة الأولى» من أن «داعش» جعلت المبتعثين السعوديين هدفاً لها هذه الأيام؛ فهي تسعى خلفهم، وتغزوهم إلكترونياً.. ليس هذا فحسب، بل إن هذا التنظيم الإرهابي المتطرف أطلق خطة إعلامية مركزة وموجّهة للمبتعثين السعوديين عبر مجموعة من الإصدارات باللغتين العربية والإنجليزية لاستقطاب عناصر جديدة، يستفيد منها في أنشطته المختلفة، سواء القتالية أو اللوجستية.

هذا التحرك الموجَّه والمحدد يلقي على المسؤولين عن برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للتدريب والابتعاث ومديري الجامعات السعودية والملحقيات الثقافية والأندية السعودية والجهات الرقابية و... مسؤولية ضخمة إزاء هؤلاء الأبناء لحمايتهم، وضمان سلامة منهجهم، ورعايتهم الفكرية والأيديولوجية والسلوكية الأخلاقية.

إن المبتعث يعيش انفتاحاً ثقافياً واسعاً، ويلتقي هناك بجميع الأطياف البشرية وكل الشرائح المجتمعية، ويسمع مختلف النظريات الأيديولوجية والتحليلات السياسية والتخمينات والتوقعات الاجتهادية، ويقرأ في المستقبليات والاستشرافات العام منها والخاص، وقد يغريه البريق، ويخدعه السراب، ويأسره الحماس، ويؤثر فيه الخطاب، في ظل غياب الرقابة المجتمعية، وتأثير جماعة الرفاق وشلة الأصحاب، وربما اتخذ بعض المسوقين للأيديولوجيات المناهضة لمنهجنا الوسطي من الأخطاء التي نحن واقعون فيها ويُتحدث عنها في مجامع المبتعثين ومنتدياتهم سبباً للنيل وإعلان العداء، ومن ثم الخروج والنكوص عن جادة الحق القويم.

إن من الضروري - في نظري - التحرك السريع للوقاية والحماية والتنوير؛ حتى لا نفقد استثمارنا في إنسان الوطن الذي نراهن عليه، وذلك من خلال:

* إنشاء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للثقافة الإسلامية واحتضان وزارة التعليم العالي له كما هو الحال مع مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية. وقد سبق أن كتبت عن هذا المقترح في هذه الزاوية بالتفصيل.

* إسناد إدارة الملحقيات الثقافية، وكذا الإشراف على الطلاب في هذه الملحقيات للمؤهلين والثقات المعروفين بسلامة المنهج وجودة الفكر بعيداً عن الأحادية أو الداعشية أو التغريبية أو السلبية أو الفوضاوية وعدم المبالاة، ومنح هؤلاء المسؤولين مميزات مالية ووظيفية مغرية للذهاب والاستقرار هناك.

* علاج المشاكل التي يعيشها أو يتخوف منها المبتعث في حاضره ومستقبله، وعلى رأسها «التوظيف بعد العودة»، كما جاء على لسان مبتعثي أستراليا في التحقيق الصحفي الذي نشرته «مكة» في صفحتها الأولى يوم السبت الماضي؛ حتى لا تكون هذه المنعطفات باباً يلج منه المتربصون بشبابنا المبتعثين هنا وهناك.

* التنسيق بين وزارة التعليم العالي، ممثلة في الملحقيات الثقافية ومركز عبد العزيز للحوار الوطني ووزارة الثقافة والإعلام والشؤون الإسلامية، لعقد أسابيع ثقافية في عدد من الدول التي يعيش فيها المبتعثون وأسرهم، والتركيز في هذه الأسابيع على مفاهيم التعايش والتسامح والوسطية والحوار وأهمية سلامة المنهج واستقامة التفكير.

* تكثيف المحاضرات والندوات والمؤتمرات وورش العمل في بلاد الابتعاث، ومطالبة أولادنا بالمشاركة فيها والتفاعل معها.

* إيقاف الابتعاث لنيل درجة البكالوريوس والاقتصار على الدراسات العليا «الماجستير والدكتوراه».

* إعادة النظر في الدورات التي تقام للمبتعثين قبل التحاقهم بالبرامج وتكثيفها واختيار المؤثرين العارفين للتحدث فيها.

* متابعة أسرة المبتعث واهتمامها بأبنائها وحثها لهم على التركيز الفعلي على مسارهم الدراسي، وعدم الالتفات لما هو خلاف ذلك، وابتعادهم عن مواطن الريبة والتجمعات المشبوهة.

* الاهتمام بهؤلاء المبتعثين إعلامياً، وطرح مشاكلهم، ومتابعة إنجازاتهم، ورصد تفوقهم، والاحتفاء بهم، ونقل مشاعرهم واحتفالاتهم، والوجود في مناسباتهم الاجتماعية والرسمية.

لقد بدأت المؤشرات - كما يقول خبر الحياة - تدل على أن التنظيم حقق نجاحاً محدوداً في استقطاب مبتعثين سعوديين، وهذا أمر خطير، وباب شر يجب أن تتكاتف الجهود لإغلاقه عاجلاً غير آجل، وإلا - لا قدر الله - ستكون خسارتنا مركبة.

حفظ الله بلادنا، وحمى أولادنا، ووقانا جميعاً قادة وشعباً أرضاً وعرضاً شر من به شر. دمتم بخير، وإلى لقاء. والسلام.

مقالات أخرى للكاتب