19-11-2014

حليب العصفور..!!

من الحكمة التي تعاهدها العلماء، والبلغاء، وذوو الألباب، وأرباب القلم، أنهم لا يدعون شاردة عنهم، ولا واردة إليهم تمر مرورا عابرا دون أن يتفكروا فيها..، ويدونونها..

لذا عرفوا خصال البشر بمثل ما عرفوا طبيعة الأنواء، وأدركوا الحسن فيها، والقبيح بمثل ما عرفوا مواطن الخير، والسوء،....

وميزوا بين درجات البليغ، والمتهافت..، والشديد، والرخو..، بمثل ما ميزوا بين النور، والضوء، والجذوة، والشعلة..،

وفي الكلام لهم باع، وصولات، وذائقات، وأذواق..،

وفي الصفات، والسمات لكل مكنون حولهم، وظاهر لهم، لهم فيه أشكال، ومراتب، وأوصاف...

لا يقف ميزانهم عند تمايز ما يرون ببصرهم..، بل ما يرون ببصيرة حسهم، وذوقهم، ومداركهم أيضا..، وبمعيار اتفاقهم، وتعارفهم ..،

فالجميل لا يختلف عليه اثنان منهم، والمردود لا يناقضهم فيه واحد، حين يوضع، فلا يوضع إلا في ميزان القيم التي تعارفوا عليها، والاتفاقات التي لم يختلفوا فيها، ولعلها كانت تُرجح عندهم ما اتفق عليه الذوق النقي، والذائقة الواعية، والحس الشاسع بمدارك ذات مدى، وقدرة..!!

لذا امتلأت القراطيس بأجمل ما صنفوه في المجالات المختلفة، وما انتقوه من أعمق ما اتفقت عليه عين حكمتهم، ومدى ذائقتهم..

ومن أجمل، وأصدق ما قرأته من بعض ذلك أن هناك عشر خصال في عشرة أنواع من البشر، هي فيهم «أقبح مما لو كانت في غيرهم»، ذكرها حكيمهم، أذكر هنا منها: «الغدر في ذوي الأحساب..، والحاجة في العلماء..، والغضب في ذوي الألباب..، والسفاهة في الكهول..، والفخر في أهل الفاقة..، والشح في الأغنياء..، والكذب في القضاة»...، ...، و...،

ومن يتمعن في مدلول هذه الصفات، وعمق أبعادها حين تلحق بذوي المزايا، سوف يدرك أسباباً كثيرة وراء ما ينخر في قِوام أي مجتمع بشري ينتشر فيه من أولئك الكثير..، ولعرف كم من الحكمة يفتقدها المرء حين لا يتأمل فيما حوله، ويتفكر في نتائجه، مما ينعكس على الحياة فيؤثر في مسارها، ويثبط في يسرها، ويعسِّر من سهولتها.. ويعكرها بما يكون من أبنائها.

فالحكماء المتأملون، المفكرون، المعبرون، المدونون القراطيس لتنوير من يأتي..، هم ندرة كما كندرة «حليب العصفور» وهو في جو الفضاء ..!! أو قريبا على غصن يتدلى..!!

Alsaggafk@

عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855

مقالات أخرى للكاتب