22-11-2014

هل تنجح الشركة السعودية للكهرباء والمنظمون في قيادة تحوُّل استراتيجي؟

تنامى استهلاك النفط داخل السعودية خلال الفترة الأخيرة، بما يصل إلى 2.5 مليون برميل يومياً، بعدما شهدت السعودية ارتفاعات ملحوظة في النمو السكاني والاقتصادي خلال السنوات العشر الماضية. ولو استمرت معدلات نمو الاستهلاك في السنوات القادمة بمعدلاتها السابقة نفسها فإن الاستهلاك سيقلص صادرات السعودية من النفط (الدخل الأساسي للدولة).

شركة الكهرباء السعودية بين ترشيد الطاقة وكفاءتها لوضع خطة طريق، تسير عليها شركة الكهرباء وبقية القطاعات الأخرى في المستقبل، بما يمكنها من المحافظة على حماية الثروات الطبيعية للسعودية، وخصوصاً أن عُمْر مخزونات النفط في السعودية - وهي الأطول عمراً في العالم - تتراوح من 66 إلى 100 عام.

نمط الاستهلاك في السعودية يختلف عن نمط الاستهلاك في جميع أنحاء العالم؛ وقادت السعودية الترشيد في الآونة الأخيرة، من خلال مطالبة الدول المصنعة للسيارات بأن تلتزم بالمواصفات العالمية التي تفرض عليها مواصفات ترشيد استخدام الطاقة مماثلة لما تنتجه للدول الغربية.

هذا إلى جانب تطبيق مواصفات الترشيد في صناعة المكيفات؛ إذ وجدت شركة الكهرباء أن المكيفات تستهلك 70 في المائة من الطاقة المستهلكة في القطاع. كذلك إذا ما تم تنفيذ قيود الترشيد وتنفيذ مواصفات العزل للمنازل فإن الجهات المسؤولة تتوقع أن يوفر في فاتورة الكهرباء نحو 60 في المائة، التي تُعتبر طاقة مهدرة. أيضاً قدر المخططون أنه بعد نهاية البنية التحتية للنقل العام في السعودية سيتم توفير 70 في المائة من استهلاك النفط المخصص لاستخدام السيارات.

متوسط استهلاك الفرد في السعودية يبلغ ضعف متوسط الاستهلاك العالمي، ولم تُقدَّم دراسات عن تصنيف المشتركين البالغ عددهم 7.3 مليون مشترك؛ حتى تستطيع الشركة معالجة الترشيد؛ إذ إن هناك فئات قليلة من المشتركين يستهلكون أضعاف ما يستهلكه نسبة عالية من المشتركين.

وقد كشف تحليل وحدة التقارير الاقتصادية في صحيفة الاقتصادية بتاريخ 26/ 8/ 2014 أن الأرقام أظهرت أن متوسط قيمة فاتورة الاستهلاك في السعودية هي 310 ريالات، ولكن هناك نسبة 60.9 في المائة من المشتركين تقل قيمة فواتيرهم عن 100 ريال، وهناك 16.3 في المائة من المشتركين قيمة فواتيرهم تتراوح بين 101 و200 ريال؛ ما يعني أن 23 في المائة من المشتركين قيمة فواتيرهم تساوي 80 في المائة من قيمة الاستهلاك الإجمالية.

ونمت قدرات التوليد بين عامي 2000 و2014 بنسبة 139 في المائة، مقابل نمو عدد المشتركين بنحو 105 في المائة، مع ارتفاع نسبة إيصال الخدمة للمدن والقرى بنسبة 67 في المائة. ونمت شبكات التوزيع بنسبة 112 في المائة، وكذلك نمت شبكات النقل بنسبة 86.5 في المائة، وسيستمر النمو في المستقبل، الذي سيستنزف موارد السعودية النفطية في حالة غياب بدائل أخرى جديدة.

الترشيد الذي قادته الجهات المسؤولة، ممثلة في المركز السعودي لكفاءة الطاقة، الذي يرأسه الأمير عبد العزيز بن سلمان للتأكد من التزام الشركات وتنفيذها للالتزامات، لا يعني تحولاً اقتصادياً، الذي يحتاج إلى برامج طويلة الأجل، ويحتاج إلى رؤية واضحة على شكل منظومة متكاملة.

لكن المشكلة الأكبر أن الشركة السعودية حصلت من المستهلكين عام 2013 للكيلو واط/ الساعة نحو 14.1 هللة، أي أقل من تكاليف إنتاج الوحدة نفسها البالغة 15.2 هللة، لكن بالأسعار العالمية تبلغ 80 هللة للوحدة نفسها، بسبب أن الشركة السعودية للكهرباء تحصل على الوقود المدعوم بما يقارب 40 مليار دولار.

فالوقود الثقيل تحصل عليه الشركة بمعدل 1 مقابل 36 السعر في العالم، وكذلك تحصل على الديزل بمعدل 1 مقابل 32 السعر في العالم، وتحصل على الزيت الخام بمعدل 1 مقابل 26 السعر في العالم، وأقلها في الحصول على الغاز بمعدل 1 مقابل 12 السعر في العالم.

ويعني ذلك أن الشركة بحاجة إلى إعادة هيكلة في تشكيل الشركة من حيث التوزيع والنقل والإنتاج وفي المصاريف الأخرى كافة، وإعادة النظر في تقديم الخدمة لـ 7.3 مليون مشترك في نحو 13 ألف مدينة وقرية وفق منظومة جديدة وفق مبادئ اقتصادية. لا أقصد رفع أسعار الكهرباء، بل البحث عن بدائل تخفض تكلفة إنتاج الكهرباء.

توقيع شركة الكهرباء تفاهماً مع كهرباء فرنسا للتعاون وتبادل الخبرات يمكن أن يقود إلى تحول استراتيجي؛ لأن التوقيع يمكن أن يلزم الشركة في منافسة مؤشرات أداء الشركات العالمية في مجالات كفاءة الطاقة وإدارة الأسطول وقطع الغيار وتطبيقات الجودة الشاملة وتخطيط شبكات النقل والتوزيع والتخطيط الاستراتيجي والشبكات الذكية وأنظمة الاتصالات، وفي مجال صناعة الكهرباء، بما يتواكب مع التطبيقات والممارسات العالمية.

تعتمد شركة كهرباء فرنسا في إنتاج الكهرباء على مصدرين أساسيين، هما الطاقة النووية بنسبة 78 في المائة، والطاقة المائية بنسبة 12 في المائة. وتصل مبيعات الكهرباء لديها بنحو 76 مليار يورو، فيما يبلغ عدد المشتركين إلى 39.1 مليون مشترك، بإجمالي طاقة مركبة تصل إلى 140 ألف ميجاواط، بينما تبلغ الطاقة التي تنتجها شركة الكهرباء السعودية نحو 60 ألف ميجاواط؛ ما يعني أن 23 في المائة من المشتركين يستهلكون من الكهرباء أضعاف استهلاك المواطن الفرنسي، وليس الضعف.

ولذلك يجب ألا تكتفي السعودية بترشيد الاستهلاك، والبحث عن كفاءة الطاقة بقدر البحث أيضاً عن البدائل، وخصوصاً أن السعودية تقع في المرتبة الخامسة على مستوى 32 دولة في العالم، صنفتهم إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لاحتياطي الغاز الصخري؛ إذ كميات الغاز الموجودة لديها بنحو 645 تريليون قدم مكعب وفقاً لتقرير أرامكو السعودية، في حين موارد الغاز التقليدية تصل إلى 282.6 تريليون قدم مكعب فقط.

ولدى السعودية خيار كبير جداً، يمكن التركيز عليه فيما يتعلق باستخدام الطاقة الشمسية. وأكبر عشر دول في استخدام الطاقة الشمسية هي: في المرتبة الأولى ألمانيا التي تنتج 35 ألف ميجاوات، تليها الصين بـ 18 ألف ميجاوات، وأضافت في عام 2013 فقط 11 ألف ميجاوات، أي أضافت أكثر من نصف استهلاكها من الطاقة الشمسية بعد توصل الصين إلى أسعار منافسة في صنع الخلايا الشمسية؛ ما جعل الولايات المتحدة تقوم بفرض رسوم جمركية تصل إلى 35 في المائة على واردات الصين من الألواح الشمسية بحجة أنها رسوم إغراق.

والآن هناك سباق حول الإقبال على الطاقة الشمسية، وبريطانيا مقبلة على طفرة استثمارية في قطاع الطاقة الشمسية، وقد تتجاوز بريطانيا أكبر دولة في العالم في أوروبا، بينما تنحاز الحكومة البريطانية في تفضيلاتها في مجال الطاقة المتجددة إلى الطاقة المتولدة من مزارع الرياح أكثر من اهتمامها بالطاقة الشمسية، أي يجب أن تتعدد الاختيارات لدينا لتحل محل الوقود الأحفوري الناضب تدريجياً.

Dr_mahboob1@hotmail.com

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

مقالات أخرى للكاتب