01-11-2014

التحوُّل من ديمقراطية الرأسمالية إلى الديمقراطية الاجتماعية

أُصيبت الرأسمالية بنكسة بعدما باتت تنفق أكثر مما تكسب؛ وأدى ذلك إلى تآكل الطبقة الوسطى، ولم تعد الرأسمالية قادرة على الاحتفاظ وتوليد وظائف جديدة

.. وخصوصاً بعدما أعلن كل من تاتشر وريغان الحرب على الدولة وعلى النقابة العمالية، وبالذات بعد اختراع الكمبيوتر؛ ما أدى إلى فصل العديد من العمال.

فأطلقت الرأسمالية العنان لرجال الأعمال والمصارف بعدما تم اغتيال الإنتاج الحقيقي، وإشاعة بدلاً منه الربح السهل والسريع في البورصات. وتحولت البورصات من بيوت لتمويل المشاريع الاقتصادية إلى مصائد للأرباح الوهمية.

فالرأسمالية اختُطفت من قِبل رجال البزنس، وخصوصاً من قِبل طغمة اقتصادية فاسدة، استولت على مصانع وشركات الدولة، مثلما حدث في روسيا، معظمهم كانوا من اليهود في زمن بوريس يلتسين، لكن استطاع بوتين استعادة أملاك الدولة من هذه الطغمة الاقتصادية الفاسدة بعدما نجحت في تهريب 150 مليار دولار إلى الخارج.

وعندما وصلت الرأسمالية إلى هذه المرحلة لم تتمكن من حفظ التوازن بين اقتصاد السوق ومكاسب الطبقة الوسطى؛ لأن التوازن سيكون على حساب الطبقة الثرية التي استفادت من المرحلة السابقة. ومما زاد من تشويه الرأسمالية سوءاً تخفيض ضرائب الأغنياء في عهد بوش الابن؛ فظهرت طبقة جديدة إلى جانب طبقة الأثرياء، طبقة مستغلة جديدة في حي المال (وول ستريت)، وظهرت المكافآت العالية لمديري المصارف وسماسرتهم بمكافآت خيالية جداً، وغامروا بأموال المودعين والمستثمرين التي تبخرت فيما بعد.

فجاء عام 2008 الذي لم تتمكن الرأسمالية فيه من إخفاء إفلاسها المالي؛ ما اضطر أوباما الرئيس الجديد للولايات المتحدة إلى إنقاذ المصارف من الضرائب التي يدفعها الشعب، وسدد ديون 700 مليار دولار، في حين ترك 700 ألف أسرة مفلسة مهددة بالطرد من بيوتها، إضافة إلى تحمل أمريكا ديون حرب بوش الابن البالغة 3,7 تريليون دولار.

ومعروف أن وراء كل جمود اقتصادي أزمة اجتماعية؛ ما يحتاج إلى إنقاذ الرأسمالية من نفسها؛ فأصبح مستقبل الرأسمالية غامضاً؛ لأن الرأسمالية تعتمد في تفسيرها للحراك السياسي والاجتماعي وفي رهانها على الطبقة البروليتارية بدلاً من الاعتماد على الطبقة الوسطى الأكثر وعياً وثقافة وحيوية.

وتتجه أوروبا وأمريكا اليوم إلى العمل بما يضمن انتعاش الاقتصاد وإعادة التوازن والنمو، وهي تنظر إلى العمل المشترك مع الشركاء في مجموعة العشرين بروح المسؤولية والهدف المشترك. وبدأت أوروبا تركز على أهمية الروح الجماعية المتجددة، وخصوصاً فيما يتعلق بالإصلاح المالي الدولي الذي يتضمن إصلاح صندوق النقد الدولي ذاته، وإعادة النظر في عادات الاستهلاك حتى تصل الدول التي انحرفت فيها الرأسمالية إلى التنافسية مرة أخرى.

وعالجت أوروبا أزمة الديون السيادية بإعادة رسملة البنوك، وزيادة مخصصات آلية الإنقاذ الأوروبية، وموافقة البنوك على شطب 50 في المائة من ديون اليونان، وبدء مفاوضات مع الصين للمشاركة في الحل الأوروبي لأزمة منطقة اليورو، باعتبار أن الصين تملك 60 في المائة من احتياطي العملات في العالم أي أكثر من ثلاثة تريليونات دولار، وخصوصاً بعدما قررت الصين الاستثمار بالعملة الأوروبية بدلاً من العملة الأمريكية، وهو عهد جديد لتدويل العملة الصينية.

Dr_mahboob1@hotmail.com

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

مقالات أخرى للكاتب