27-09-2014

هل يُحدث الاقتصاد التساهمي في دول الخليج نقلة حقيقية في اقتصاد السوق المفتوحة.. أم مجرد وهم؟

الخفض التلقائي لنفقات الدولة والتقشف في كل من الولايات المتحدة وأوربا التي بدأت في أكتوبر عام 2012 في الولايات المتحدة بتخفيض 109 مليارات دولار، أدت إلى إحداث زيادة تلقائية في الضرائب على جميع شرائح المواطنين بواقع 20 في المائة في الولايات المتحدة، ما يتسبب في نفقات إضافية بقيمة ألفي دولار في السنة لعائلات الطبقات الوسطى، هذه الزيادة الحادة في الضرائب ستنعكس على استهلاك الأمريكيين، وستؤدي بالتزامن مع التخفيضات الكبرى في النفقات الكبرى في النفقات العامة إلى انهيار الطلب الداخلي، أي الدخول في كساد جزئي.

فالحكومة الأمريكية في مأزق وتخشى الوقوع في كساد، بينما هي مطالبة بتنشيط الاقتصاد عبر مزيد من الإنفاق وفي نفس الوقت هي مطالبة بخفض العجز المارد الوحش.

هناك فرصة للمستهلكين للاستعانة بشركات الإنترنت التي تروّج لاقتصاد التساهم رغم أنها تواجه ردوداً تنظيمية من الشركات التقليدية، لكن بدأ أخيراً جيل جديد من شركات التكنولوجيا الناشئة مدعومة ببرامج الكمبيوتر السهلة، فبدأ الناس يتجهون لتأجير مساكنهم وسياراتهم ومكاتبهم بالمشاركة، أي كما يعتقد بعض الاقتصاديين تحويل أصولهم الخاملة إلى استثمار لتعويض الضرائب التي اقتطعت منهم.

وقد ذكر تقرير نشرته مجموعة التيميتر أنه ظهر في السنوات الأخيرة أكثر من 200 شركة جديدة تعمل في هذا النوع الجديد من الاقتصاد التساهمي غير الموجود من قبل، مدعومة بسيل من تمويل رأسمال المغامر.

تأتي هذه الاستثمارات وسط هبوط اقتصادي دفع بالمستهلكين إلى البحث عن طرق جديدة لتوفير أموالهم، صاحبه تغيرٌ ثقافي خصوصاً بين فئة الشباب، أو بين الفئات ذات الدخول الضعيفة بدأت تهدد صناعات تقليدية مثل الفنادق وخدمات سيارات التاكسي.

لكن أصبح الاقتصاد التساهمي مهدداً من الصناعات التقليدية باعتبار أنه يخالف القوانين الوطنية والإقليمية، كما أن جامعي الضرائب يلاحقون مثل هذا الاقتصاد الجديد لتحصيل حصة من نجاحهم الاقتصادي، وهناك اشتباكات في محاكم وبلديات من نيويورك إلى هامبورج هدفها اختبار الحدود التي تفصل بين الشركات الجديدة والأجهزة التنظيمية للمهن المصممة لضمان النوعية والأمان.

الأمر يتعلق بحل المواطنين مشكلاتهم بأنفسهم، وإبقاء قوة نفقاتهم بعيدة عن المؤسسات الكبيرة والاقتصاد التقليدي، وهم بدلاً من ذلك يعتمدون على بعضهم البعض، ووجدوا ضالتهم في الشبكة العنكبوتية، وأغلب مرتادي هذه الخدمة من نخبة العاملين الذين يريدون الاستمرار في التمتع بكافة الخدمات ولكن من دون تحمل عبء امتلاك مسكن أو سيارة أو مكتب وهي تسميها بالمشاركة الفخمة، وفي المقابل يحصل العاطل عن العمل أو ممن يريد زيادة دخله بعمل إضافي كطاهٍ أو كمربية أو تقديم بعض الخدمات الخاصة من تنسيق حدائق وتنظيف منازل من أجل الحصول على فوائد تكميلية.

ويعتبر العديد من الاقتصاديين بأنها ثورة حقيقية قادمة في اقتصاد السوق المفتوحة، رغم أن البعض يعتبر مثل ذلك ما زال وهماً.

هذا النوع من الاقتصاد يُسمى بالاستهلاك التعاوني، إذ يقتسم الناس حاجاتهم لتخفيض النفقات في الزمن الصعب، وبعض الاقتصاديين يرفض أن يسمي الاقتصاد التساهمي بالعمل التجاري، لكنه نموذج جديد ظهر بعد الأزمة المالية والديون السيادية في الدول المتقدمة، والتي انعكست آثارها على المجتمع ضمن دائرة الحلقة الاقتصادية.

في السعودية وبقية دول الخليج فإن الوضع يختلف تماماً، لكن هناك مشكلات أخرى يعاني منها المجتمع الخليجي يمكن أن يتجه إلى هذا النوع من الاقتصاد التساهمي، فالدولة اتجهت إلى معالجة مشكلة الوافدين بتصحيح أوضاعهم حتى لا تتحول مشكلتهم إلى مشكلة ما يسمون البدون الذين يتوالدون وقد أصبحوا متوطنين من دون حقوق أو معالجة، ولا توجد إحصاءات رسمية منشورة تحدد أعدادهم ولكن أعدادهم كبيرة جداً قد تصل إلى خمسة ملايين أو أكثر، وتصطدم الدولة عند تصحيح أوضاعهم بسبب أنهم لا يحملون هويات ومقيمون لفترة طويلة جداً من الزمن قد يكون لأجيال ثلاثة أو أكثر.

ويعاني المجتمع من مشكلة استقدام عاملات في المنازل لأسباب عديدة فيمكن أن يتجه المجتمع نحو الاقتصاد التساهمي من خلال تكوين شركات لتمكين تشغيل مثل تلك الفئات بعد تأهيلهم وتدريبهم ليحلوا مكان العمالة الوافدة المنزلية، وهي معالجة مركبة من عدة جوانب.

Dr_mahboob1@hotmail.com

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

مقالات أخرى للكاتب