23-11-2014

عبدالله بن عبدالعزيز.. موحد صف الأمة وأمينها

قال ملك هذا الكيان الكبير (المملكة العربية السعودية) خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - أيَّده الله وسدَّده - في مناسبة عيد الفطر المبارك عام 1402 هـ: «لن نكَلَّ أو نملّ أو نيأس من الدعوة إلى التضامن والعمل له بل سنعمل دائماً على التضامن بين العرب وليست ثمة وسيلة للأمل إلا العمل.. ولا سبيل أمامنا للصمود في معركة الوجود الكبرى إلا بتضامننا كعرب

ووحدتنا كأمة مسلمة.. لقد آن لنا أن نعلم أنه باتحاد كلمتنا لن تستقيم أمامنا عقبة، ولن تبقى مظلمة، فالاتحاد سبيلنا إلى القوة في عالم لا يعترف بغير الأقوياء، لقد أدركت المملكة ذلك فاتخذت منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز طيب الله ثراه من التضامن بين العرب، والتكاتف بين المسلمين محوراً لسياستها، ليقينها بأنَّ أعداء الأمة العربية والإسلامية ضعفاء أمام اتحادنا، أقوياء حين انقسامنا، ولكن مما يجعلنا نطمئن إلى المستقبل أن ما نراه من خلافات بين العرب هي خلافات بين أشخاص، وليست خلافات بين شعوب».

وقال أيضاً ـ حفظه الله ـ بمناسبة تشكيل مجلس الشورى لدورته الخامسة عام 1432هـ: «إنَّ الوحدة الإسلامية ليست هدفاً مستحيلاً ولا أمنية خيالية بل مطلب مشروع.. قادرين بمشيئة الله أن نحوله إلى حقيقة ملموسة إذا استطعنا أن نغلب مصلحة الكل على مصلحة الجزء، وسعينا جميعاً لتكون كلمة الله ـ عز وجل ـ لا كلمة كل منا بمفرده هي العليا وليس ذلك على همم المؤمنين المخلصين بعزيز».

هذه مقدمة أسوقها بالقول بأنَّه لم تكُنْ خطوته المباركة ـ ألبسه الله لباس الصحة والعافية ـ في دعوته الرائدة للقمة الاستثنائية الخليجية التكميلية التي عقدت في الرياض يوم الأحد الماضي بحضور جميع قيادات دول الخليج الشقيقة التي أذابت الخلافات بين الأشقاء في دول الخليج العربي فجاء على أثرها عودة السفراء إلى قطر الشقيقة، سوى إشارة إلى فكر قائدٍ يسعى للقوة الخليجية والعربية والإسلامية لمواجهة التحديات التي تهدد أمتنا الخليجية والعربية والإسلامية والاستفادة من كل المتغيرات لما فيه صالحها وأمنها واستقرارها ورخائها.

وليس هناك من شك في أن دعوته أيضا بحسب البيان الذي صدر عن الديوان الملكي: «ارتباطاً للدور الكبير الذي تقوم به جمهورية مصر العربية الشقيقة، فلقد حرصنا في هذا الاتفاق «اتفاق الرياض»، وأكدنا على وقوفنا جميعاً إلى جانب مصر، وتطلعنا إلى بدء مرحلة جديدة من الإجماع والتوافق بين الأشقاء» قد شكّل مكسباً لذلك الاتفاق الوحدوي ومنعطفاً مهماً في تحقيق وحدة الصف التي تعد مسؤولية عربية وإسلامية تستوجب تكاتف الجهود المشتركة لتحقيق آمال وطموحات الشعوب.

المبادرات السامية الجسورة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ـ وفقه الله ـ اتَّسمت بشموليتها وامتدادها وقدرتها على بعث روح التعاون وجمع الكلمة والتكاتف والتلاقي وتوحيد الصف والنأي بالأمة عن الخلاف والشقاق والمحافظة على الأمن والسلام على المستوى العالمي وبالدرجة الأولى على المستوى الخليجي والعربي، فاستحقّ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حصْده المركز الأول في توحيد الصف العربي الذي كشفه آخر استطلاع للرأي أجْرته «منظمة الشعوب والبرلمانات العربية» بجميع مكاتبها في العالم العربي.

واللافت في رؤية الملك عبدالله في مجال توحيد الصف وضوح الهدف، وحسن النوايا، والتعقل، وحصر كل خلاف في نطاقه المحدود، وتغليب روح العمل الجماعي بما يتَّسِم مع ضوابط العقيدة وخصوصية وتقاليد الوطن.

وضمن إطار رؤية الملك عبدالله الشاملة في توحيد الصف تحتلُّ الشفافية مكانها بوصفها إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها هذه الرؤية، إذْ إنَّ هذه الخاصية الجوهرية في حياة المجتمعات وحراكها السياسي والتاريخي والحضاري لم تزل مبدأ حيوياً في مسيرة خادم الحرمين الشريفين ـ يحفظه الله ـ وقاعدة أساسية وقد عمل على تفعيلها في جهوده في توحيد الرؤى وتنسيق المواقف الخليجية والعربية والإسلامية في جميع المحافل الإقليمية والدولية، الأمر الذي شكَّل دعامة قوية لمنهج توحيد الصف الذي انتهجه خادم الحرمين الشريفين ـ يحفظه الله ـ، كما أنَّ هذه الرؤية أسفرت عن حماية مبدأ توحيد الصف وطمأنة المواطن الخليجي والعربي والإسلامي ونشر التلاحم والترابط البناء، وحلَّ النزاعات، وتقريب القلوب، والحض على التعاون والتضامن والمشاركة، وتحقيق المصالح العليا، ولا غرابة في ذلك، فقد أرسى قواعد هذا النهج المبارك المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ طيَّب الله ثراه ـ وسار عليه أبناؤه الأخيار البررة الذين وحَّدوا الشعوب العربية والإسلامية، والكل يفتخر كونه ينتمي لهذه الدولة العظيمة والملوك العِظام.

تتشكَّل رؤية توحيد الصف لخادم الحرمين الشريفين من مجموعة من القيم الفكرية الخلَّاقة التي تدور حول العمل الجاد والمدروس والتخطيط السليم والحنكة المتمرسة بمعطيات التاريخ واحترام رأي الآخرين واستشراف توقعات المستقبل والإخلاص والصدق، وهي كلها سمات تشكل معالم شخصية القائد الملهم، وقد اجتمعت في شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ يحفظه الله ـ هذه الشخصية الفذة التي يجمع المفكرون والكتاب والباحثون والعلماء على أنها تمتلك زمام المبادرة، وفاعلية القرار، وشمولية الرؤية، ووضوح البصيرة، وليس ثمة غرابة أو عجب في ذلك، لأن ملكاً يتمثل الرؤية الإسلامية ويجسدها قولاً وعملاً ـ لا شك ـ أنه سيؤتى صواب الرأي وملكة الفعل وغاية التأييد.

ويجسِّد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ـ يحفظه الله ـ رؤية توحيد الصف في خطاباته السياسية بأبعاده الأربعة الدولي والإسلامي والعربي والخليجي، كما تتجسد في خطابه الوطني بسياقاته المتعددة وأبعاده، وأنه انطلاقاً من تلك الرؤية ومعالمها الواضحة أضحت المملكة العربية السعودية رمزاً للدولة الخليجية والعربية والإسلامية مما جعلها محط احترام كل الدول والشعوب.

وتتضح ملامح تلك الرؤية لخادم الحرمين الشريفين في خطاباته الشاملة وأفعاله المؤثرة التي قامت على أسس ثابتة من التضامن من أجل قضايا الأمة الخليجية والعربية والإسلامية. وعلى وجه الخصوص القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية. ففي برقية بعثها ـ يحفظه الله ـ عام 2009 م إلى رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس بمناسبة انعقاد المؤتمر السادس لحركة فتح دعا فيها قادة الفصائل الفلسطينية للوفاء بالمواثيق والعهود التي وقعوها في الكعبة المشرفة بمكة المكرمة والبعد عن الاحتراب الداخلي والعمل على توحيد الصف الفلسطيني ونبذ الخلافات. وتوالى الدور البارز له ـ يحفظه الله ـ عبر كلمته التي ألقاها في القمة العربية التي عقدت في الكويت عام 2009 م التي فتحت الباب في توحيد الصف العربي ونبذ الخلافات التي لا تخدم سوى أعداء الأمة العربية فسادت الأجواء الإيجابية بين المختلفين، وجهوده أيضاً في تسوية الخلافات بين السودان وتشاد وإنهاء مآسي الحروب والقطيعة بين البلدين الشقيقين عام 2010 م، ناهيك عن دعوته عام 2011 م القادة العراقيين للاجتماع في المملكة للتدارس والتشاور والاتفاق على الطريق الموصل للغاية المنشودة بحل مشاكل العراق، وكما هو ديدنه ـ سلمه الله ـ فلقد كان لخادم الحرمين الشريفين دور مع أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون - حفظهم الله - في توحيد الصف ووقف نزيف الدم بين الأشقاء اليمنيين والوصول إلى حل سلْميٍّ حفظ لليمن وحدته وأمنه واستقراره وحمى إنجازاته ومكتسباته الحضارية عبر المبادرة الخليجية التي تمَّ التوقيع عليها في فبراير عام 2011 م والتي مثَّل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ إنجاز توحيد الصف بالصورة الناطقة التي جسَّدها بكلمته البليغة في ذلك اليوم بقوله: «اليوم تبدأ صفحة جديدة من تاريخكم، تحتاج منكم اليقظة، وإدراك المصالح، وتحديد الأهداف، فالحرية بكل أشكالها لا يمكن لها أن تستقيم دون المسؤولية، فإن اختلفا فإن النتيجة لذلك هي الفوضى في متاهات لا يعلمها غير الحق جل جلاله. ولا يكون ذلك إلا بالثبات على قوله الكريم: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ...}. وتوالت مبادراته بدعوته أيضاً لعقد مؤتمر استثنائي للتضامن الإسلامي عام 2012 م لتوحيد الصف والكلمة ومعالجة قضايا الأمة الإسلامية والعربية ومواجهة التهديدات التي تُحاك لها.

وكان خادم الحرمين الشريفين عبَّر باسم كل عربي غيور يتطلع إلى وحدة الصف المصري عبر الوقوف معه في محنته التي يمر بها الآن، حيث قال في أحد خطاباته: «إنني أهيب برجال مصر والأمتين العربية والإسلامية والشرفاء من العلماء وأهل الفكر والوعي والعقل والقلم أن يقفوا وقفة رجل واحد وقلب واحد في وجه كل من يحاول أن يزعزع دولة لها في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء وتجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية». وتتأكد رؤية خادم الحرمين الشريفين في توحيد الصف بمواصلة جهوده الكبيرة لإنهاء الوضع في سوريا والنظام السياسي فيه عبر توحيد الرؤى وتنسيق المواقف العربية في جميع المحافل الإقليمية والدولية المعنية حقناً لدماء الأبرياء من أبناء الشعب السوري. يضاف إلى ذلك الزيارات التي كان يقوم بها.

إنَّ التاريخ ـ دائماً وأبداً ـ هو ملكٌ الجميع، وهو لم يكنْ ولن يكونَ في لحظة ما، ملْكُ شخص أو أشخاص أو مغنم لأحد يدَّعي تملّكه .. وصُنَّاعه الحقيقيون في رأيي هم أولئك الذين تدافعوا في دروبه يقدمون المساندة العملية على كافة الأصعدة والتضامن الكامل وتوحيد الصف ومواجهة التحديات في ظلِّ المتغيرات .. هم أولئك الذين يعملون بصمت ودون ضجيج ويحققون المنجز تلو المنجز مواكبة للجهود التي بذلوها والطموحات التي يأملون في الوصول إليها ليتركوا الدروس والعبر كل صباح وكل مساء للأجيال اللاحقة من روائهم درْباً ممهداً.. وحياة هي الوحدة والحب الصادق والعلاقات المتأصلة على نحْوٍ من العدل والسلام والإخاء والتقدم والعزة والخير والقوة.

ويبقى ونحن نعيش هذا الحدث الخليجي والعربي والإسلامي الهام بكافة متغيراته وأبعاده وموجباته ونستشرف معه للأمة الواحدة مستقبلاً واعداً بالخير والإنجاز، فإن علينا أن نهيئ أنفسنا لمرحلة جديدة من العمل الوحدوي تفرض علينا أن نشارك جميعاً في تحمل مسؤولياتها برؤية جديدة والتعامل معها بفهم جديد وروح خليجية وعربية وإسلامية واعية متسامحة ومسؤولة تتجاوز كل حالات الإحباط أو التخاذل وكل حالات التطرف والفوضى وتتجاوز كل أشكال النعرات والتحريش وإشعال الفتن والتعصبات الضيقة وكل حالات الأنانية والنرجسية والتعالي.

أسأل الله تعالى أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود لما فيه خير وصلاح ورفعة الأمة الخليجية والعربية والإسلامية، وأن يديم الأمن والاستقرار والسلام على أوطاننا، وأن تنجح الجهود الخليجية والعربية والإسلامية المشتركة في تحقيق المصالح العليا.

Twitter: @alshamlan641

مدير الإعلام التربوي بإدارة التربية والتعليم بمحافظة وادي الدواسر

مقالات أخرى للكاتب