24-11-2014

يَدَّعون محاربة الإرهاب ويرتكبونه

الإرهاب أمر مرفوض إذا فُهِم مدلوله فهماً صحيحاً؛ وهو إرهاب الآمنين من الناس بالاعتداء الجسدي عليهم أو تخويفهم منه. أما مجابهة المعتدي أو المستعمر فليست إرهاباً؛ بل هي عمل محمود لتحقيق العدل.

ومن ذلك ما قامت به الثورة الجزائرية المجيدة، التي انطلقت عام 1954م؛ أي بعد قيام دولة الصهاينة في فلسطين بست سنوات. وكان ممن بذروا بذرتها الأولى الأمير عبد القادر وابن باديس. ولقد دُعِيت من قِبَل وزارة المجاهدين في الجزائر بمناسبة مرور أربعين سنة على استقلال ذلك الوطن العربي الإسلامي لحضور مهرجان شعري بعنوان «الجزائر أنشودة المجد». فألقيت قصيدة جعلت عنوان المهرجان نفسه عنواناً لها. ولضيق المجال بالنسبة للمقالة فإني أكتفي بإيراد أبيات منها هي:

أنشودةَ المجد .. يا أنشودةً صَدحتْ

بها مواكب عُشَّاق العلا نَغَما

عَشقتُ، منذ الصبا، مغناك مَلْحمةً

من الإباء وسِفْراً يزدهي شَمَما

صحائفاً ناصعاتِ الذكر أسطرُها

سمتْ حروفَ جهادٍ وارتقتْ كَلِما

كان الأمير .. وما كانت بطولته

إلا المنار بدرب النصر والعلَما(1)

وكان فكر ابن باديسٍ بدعوته

إلى الأصالة فكراً يَحفزُ الهِمَما(2)

قطبان في فلك التاريخ كم سعدت

غُرُّ الكواكب بالتَّطْواف حولَهما

أنشودةَ المجد.. يا أسطورةً دفعتْ

مَهْرَ التحرُّر من جور الطغاة دما

و ثورةً ما انثنى أبطالُها خَوَراً

عن الوغى أو تفادوا خوضها سأما

مضت شهيداً يُغذِّيها فَيخلفُه

من بَرَّ بالوعد إقداماً ومُقتَحما

حتى عَلَتْ في صباح النصر ألويةٌ

جذلى تُقبِّل أرضاً حرَّة و سما

كان انتصار الثورة الجزائرية نصراً للعرب في مشارق بلدانهم وفي مغاربها. على أن انتكاسات عربية حدثت. فقد اندلعت - مثلاً - حرب أهلية في لبنان، وراح العربي يقتل العربي. وقد كان بيني وبين صديقي العزيز نذير العظمة مراسلات شعرية. ومن ذلك إرسالي إليه قصيدة منها:

مِثلما في قَلبكَ الحُرِّ جِراحاتٌ خَفيَّه

في فؤادي أيها الشاعر تَجتاح رَزيَّه

كُلُّنا في الهَمِّ أَشلاءُ مآسٍ يَعرُبيَّه

أَيُّ قلبٍ لم تُمزِّقه من الحُزْن شَظيَّه؟

قَهقهاتُ الموتِ في بَيروتَ رُوحٌ هَمَجيَّه

حَرَّك الشيطان في أرجائها أَلفَ سَريَّه

وسُيوفُ العُرْب تَجتزُّ رِقاباً عَرَبيَّه

لم يَدَعْ بَتَّارها شيخاً ولم يترك صَبيَّه

أَيُّهم لبنان في وجدانه أَسمى قَضيَّه؟

كُلُّهم يَقتلُ باسم الشَّعبِ والشَّعبُ الضَّحيَّه

وإن من المؤسف أَشدُّ الأسف، والمؤلم أَشدُّ الإيلام، أن قتل العربي لأخيه العربي زاد بدرجة كبيرة في السنوات الأربع الأخيرة. بل إن ما ارتكبه - وما زال يرتكبه - المُتحكِّمون في سوريا لا يَقلُّ عما يرتكبه الصهاينة؛ بل يزيد عليه أحياناً. فقد دفنوا الناس أحياء لمُجرَّد أنهم رفضوا التألُّهَ لغير الله. وارتكبوا التقتيل الجماعي بالبراميل المتفجرة، التي تشتمل على مواد سامة. وقد أصبح ما يُرتكب في سوريا جريمة القرن الكبرى. ومع ارتكابهم في سوريا تلك الجرائم فإنهم - بكل وقاحة - يَدَّعون أنهم يحاربون الإرهاب. ومن المؤسف والمؤلم أيضاً أن دولاً عربية لم تَستنكر ما ارتكبه المجرمون في سوريا. وكل ذلك يَصبُّ في مصلحة الصهاينة من جوانب مُتعدِّدة.

(1) المراد بالأمير: الأمير عبد القادر الجزائري.

(2) ابن باديس هو العالم الجزائري المعروف.

مقالات أخرى للكاتب