24-11-2014

قوة ناعمة

يطلق مصطلح (القوة الناعمة) - كما هو معلوم - على المزايا والإمكانات التي تحوزها دولة ما في المجالات غير العسكرية، كالتفوق التقني أو الصناعي، أو الوفرة الاقتصادية ومتانة الموارد المالية والموارد البشرية، وتميزها تعليماً وتدريباً، وغير ذلك من المزايا مما يطلق عليها قوة ناعمة لتمييزها عن مفهوم القوة المعهود.

أبرز الأمثلة في هذا المجال ألمانيا واليابان، اللتان تم حظر التصنيع العسكري عليهما بعد هزيمتهما في الحرب العالمية الثانية، وما إن بدأتا إزالة ركام الخراب ونفض رماد الحرب حتى اتجهتا إلى إعادة الإعمار والتعليم مروراً بالتصنيع المدني القائم على التطور التقني، حتى غزت صناعة هاتين الدولتين مختلف القارات بجودة فائقة ومتانة معهودة. وبالطبع، لحقت بهما كوريا الجنوبية و(العملاق الأصفر) المارد الصيني الذي تبوأ حالياً المرتبة الثانية في العالم كقوة ناعمة مزيحاً اليابان إلى المرتبة الثالثة، تليها ألمانيا رائدة الاتحاد الأوروبي. بالطبع، ظهرت دول مجموعة (brics)، وهو الاسم الذي يختصر أوائل أسمائها، وهي (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا). والصين - كما هو معروف - رائدة هذه المجموعة.

المملكة بوصفها أكبر دولة مصدرة للنفط، وحائزة الاحتياطي الأكبر منه في العالم، تُعدُّ واحدة من الدول الناشئة الحائزة قوةً ناعمةً مؤثرةً إقليمياً ودولياً.. وما انضمامها إلى مجموعة العشرين الاقتصادية إلا اعتراف بمكانتها الاقتصادية المتنامية. وهذا الاستحقاق ينطوي على فرص وتحديات في الوقت نفسه. الفرص هي في التبادل التجاري والشراكات الاستراتيجية في المجالات العلمية والتصنيع والموارد البشرية والتدريب والاستثمارات.. فالدول والأمم تتبادل في المنافع وتشارك في الفرص والسلام وتجنب شرور الحرب والتخفيف من وقع الكوارث والنوازل. ومن ناحية التحديات، فالمملكة ما زالت منذ منتصف السبعينيات الميلادية في طور البناء والتنمية والتغيير، مع ما يتخلل هذه المرحلة من تأثيرات جانبية اقتصادية واجتماعية، وتفاوت الإيقاع التنموي من فترة إلى أخرى، أخذاً في الاعتبار تفاوت المداخيل بالنظر إلى أن السلعة الاستراتيجية للمملكة متقلبة وخاضعة للظروف السياسية الدولية مباشرة.

على قدر المكانة والعزائم تكون التحديات.. والمملكة قد مرت بظروف مصيرية، تجاوزتها بعون وفضل من الله تعالى. وكما هو معلوم، فإن التحديات والمخاطر كذلك تستخرج تلك الطاقات الكامنة، التي قد لا يعلم المرء أو الشعب أو الدولة بحيازتها إلا في تلك الظروف. يحتل الطلاب المبتعثون السعوديون المرتبة الرابعة بالنسبة للطلاب الأجانب في الولايات المتحدة من حيث العدد بعد الصينيين والهنود والكوريين. أليست هذه قوة ناعمة تضاف إلى قوة المملكة الناعمة؟ على أن هذه الأعداد - تفوق أربعة وخمسين ألف طالب وطالبة فقط في أمريكا، فضلاً عن المبتعثين في أوروبا وآسيا - تمثل فرصاً واعدة للمملكة حكومة وشعباً، كما تمثل تحدياً كبيراً كذلك؛ حتى نكون موضوعيين. والتحدي يكمن في الاستفادة وتوظيف هذه الإمكانات البشرية في مجالات التنمية المختلفة وسياسة الإحلال والتوطين دعماً للاقتصاد ووقفاً لهدر الموارد والتحويل المهول لليد العاملة الأجنبية، وخصوصاً ذوي المهن البسيطة، وهم يشكلون الأغلبية. المملكة تعيش حالياً طفرة تنموية جبارة؛ جعلت مختلف دول العالم الصناعي تتجه بأنظارها ووفودها إلى الرياض لاغتنام الفرص الاقتصادية فيها، نظير استقرارها السياسي والاقتصادي. وهنا تتوافر للمملكة الفرص السانحة للإفادة من بيوت الخبرة الدولية في المقاولات والتعليم والتدريب والصحة. ولكم التحية.

romanticmind@outlook.com

تويتر @romanticmind1

مقالات أخرى للكاتب