24-11-2014

الأيدولوجيات تنفي خبثها على الدوام!

من أهم أسباب رسوخ الأيدولوجيات أنها تنفي خبثها على الدوام، ولا يغرنك المدعي، فليس كل من زعم انتماء لهذه الأيدولوجية، أو تلك صادقًا، فبعضهم يفعل ذلك من بال التباهي، أو الارتزاق، أو كغطاء للمعارضة السياسية، فعندما يتحذلق ثري ارستقراطي بأنه اشتراكي النزعة، مثلاً، مع أنه يعيش حياة باذخة، وينبذ المعدمين، ويحتقرهم، فهو هنا خبث تنفيه القيم الاشتراكية، ومن الممكن أن يسمى «مستشرك» لا «اشتراكي»، ومثله الذي يدعي القومية، وهو عنصري، ضيق الأفق، فهذا ليس «قوميًا»، بل متقوقم» وغني عن القول أنه عندما يكون مثل هذا الخبث هو الغالب على اتباع هذه الأيدولوجيات، فإنه يُؤدِّي بالتالي إلى سقوطها، لأن العبرة في الممارسة، لا في التنظير، وعلى هذا يمكن القياس.

لا أظن أنه خطر على بال المفكر، والرئيس الأمريكي الثالث، توماس جيفرسون، وهو يكتب عن الليبرالية الاقتصادية، وحرية الفرد، وأثر ذلك على تطوّر المجتمعات، إنه سيأتي زمن يتم فيه تشويه هذا المصطلح، وربطه بالتفسخ الاجتماعي، والخنا، والفجور، وربما لو كان الرئيس جيفرسون حيًا لكتب عن «التلبرل»، ولعمل كثيرًا على التفريق بينه، وبين الليبرالية الحقيقية، ويأتي الخلل دومًا عندما يعتقد أحدهم أنه متدين، وهو في الواقع ليس كذلك، أو عندما يعتقد أنه اشتراكي النزعة، أو قومي، أو ليبرالي، وهو لا يعرف عن هذه المصطلحات إلا ما يخدم مصالحه الضيقة، والخاصة، وهنا لا بُدَّ أن يُعدُّ مثل هذا «خبثًا» يتم نفيه تلقائيًّا من قبل الأيدولوجيات الراسخة، وأحيانًا تتَغلَّب مثل هذه العينات، فتكون سببًا في نقض الأيدولوجية من أساسها، وسببًا في سقوطها، واندثارها، كما حصل مع الشيوعية، على سبيل المثال.

المتدين الحقيقي غالبًا لا ينتكس، فمن ينتكس هو المتدين غير الحقيقي، أيّ الحائد عن جادة الصواب في كلِّ أحواله، وهنا فهو يُعدُّ خبثًا، وضارًا لأيِّ أيدولوجية يعتنقها، وقد ابتلينا في مجتمعنا بعينات نفعية، ضحلة المعرفة، وأنانية تبحث عن مصالحها، مثل الذي يخرج من عباءة التدين، بحثًا عن الملذات المادِّية، وهنا يتخيل أن ضالته تكمن فيما يسمى بالليبرالية، إِذْ هو يخلط بين الليبرالية بمفهومها الحقيقي، وبين التلبرل الاجتماعي المنفلت، ومثل هذا يقلب ظهر المجن لما يعتقد أنه الليبرالية، بمجرد إلا تتحقق نزواته الشخصية المنفلتة، وهنا تجده يرفع رايته شتمًا في الليبرالية، وهو في الحقّيقة يشتم التلبرل، لأن الليبرالية الحقيقية، التي بنى أركانها توماس جيفرسون لم تكن يومًا طريقًا للملذات، أو الانفلات الأخلاقي، إِذْ هي ليبرالية اقتصادية، وحرية فردية، تحت مظلة القوانين السائدة، وخلاصة الحديث هي أن الأيدولوجيات تنفي خبثها باستمرار، وهذا سر بقائها على مرِّ العصور، وصاحبنا أعلاه لم يكن يومًا متدينًا، كما لم يكن يومًا ليبراليًا، حتَّى وإن توهم ذلك، فهو لا يعدو أن يكون خبث، ضار هنا وهناك!.

ahmad.alfarraj@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب