د. شريف العبدالوهاب
مع قرب تنفيذ (اتفاقية 187) لمنظمة العمل الدولية في يونيو 2025م، هنا السؤال الكبير: هل مفتشو وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية يستطيعون تحديد مخالفات السلامة في المنشآت التي يزورنها ولديهم المرجع والمعايير (قوانين) المهنية التي ترشدهم لمعرفة مخالفات السلامة المهنية في بيئة العمل؟
ومع قرب نفاذ هذه الاتفاقية، نحتاج إلى التعرّف على المتطلبات الأساسية حتى نستطيع تطبيقها والاستفادة منها في مسار مهم، أي مسار بيئة العمل والذي يعد أحد أهم المحفزات لبرنامج التوطين في المهن وبالأخص المهن الهندسية والمساعدة لها.
ربما يتصدر هذه الضروريات تأسيس (هيئة للسلامة المهنية)، أو أي كيان آخر، يُعنى بتطبيق جميع معايير السلامة من خلال سن معايير وأدلة السلامة والتفتيش على المنشآت خاصة الصناعية والإنشائية للتأكد من امتثالها لمعايير السلامة المهنية. إن حوادث السلامة في بيئة العمل كارثية وحصدت العشرات من الأرواح سابقاً لعدم وجود تلك الجهة المعنية بالسلامة.
غياب بيئة عمل صحية سوف يجعل التوطين النوعي صعب المنال في قطاعات مهمة مولدة للوظائف. ولدينا في رحلة البناء في بلادنا ما يدعم أهمية السلامة في بيئة الأعمال.
إن بداية رحلة السلامة بالمملكة كان مع شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو حالياً) في بداية إنشائها في ثلاثينات القرن الماضي الميلادي، حيث طورت العشرات من الأدلة للسلامة للحفاظ على العاملين في (أجواء وأعمال شاقة) تتطلب المحافظة على بيئة العمل وتأمين العيش الآمن للعاملين عبر رحلة تمتد من بيئة العمل وحتى (المنزل).
وهذه كانت من عوامل جذب وتوطين السعوديين الذين أقبلوا على العمل في جميع المهن الشاقة، مدفوعين بعدة عوامل مشجعة.
من هذه العوامل تأمين بيئة عمل شبه خالية من الحوادث، مع حماية الموظف من احتماليات الحوادث بالتدريب المستمر على تطبيق مهارات السلامة في جميع جوانب العمل حتى الورقية منها.
إضافة إلى تطبيق السلامة في المنزل لتحاشي الإصابة المؤثّرة على الأداء.
النتائج الأولية الإيجابية لهذه الممارسات انتقلت إلى عدة شركات استفادت من تجربة شركة أرامكو في التوطين، ومنها سابك ومنشآت كبرى أخرى مدعومة من الدولة.
مع الأسف هذا الالتزام بالسلامة لم يطبق بشكل واسع في المنشآت المتوسطة والصغيرة، حتى مع المقاولين المحليين والدوليين ومع الشركات الكبرى، فالأغلب يطبّقون معايير السلامة بحدودها الدنيا، ومعها تفقد بيئة العمل عنصري التحفيز والتشجيع لانخراط العاملين السعوديين في تلك الأعمال وعلى وجه الخصوص المهن النوعية مثل المهن الهندسية، والهندسية المساعدة.
في القطاع الخاص بدأ تطبيق السلامة مع ظهور التأمينات الاجتماعية عام 1969 ، حيث إنها أول من سن قوانين لسلامة الموظفين بالقطاع الخاص بالمملكة العربية السعودية بهدف الحد من التعويضات نتيجة الإصابات العمالية، والتي فيما بعد أنيطت بوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية (وزارة العمل آنذاك) للمتابعة والإشراف على تطبيق السلامة في المنشآت.
ولكن لسنوات طويلة لم يتم وضع معايير سلامة طنية واضحة معنية بالسلامة في بيئة العمل بشكل علمي ومهني احترافي.
أيضاً تم إنشاء الهيئة العليا للأمن الصناعي لتتولى الإشراف على منشآت الجبيل وينبع إضافة إلى المستودعات والمنشآت بالمناطق الصناعية خارج ينبع والجبيل، ومن ثم طورت وزارة الموارد البشرية المجلس الوطني للسلامة والصحة المهنية المؤسس في 7-7-1443هـ كأحد مخرجات «البرنامج الوطني الإستراتيجي للسلامة والصحة المهنية». ولاحقاً تم تفعيل تطبيق كود البناء السعودي الذي ضم العديد من جوانب السلامة الإنشائية في جميع المنشآت، وليس مهنياً والذي يعتبر خطوة متميزة لتطبيق معايير موحدة للسلامة الإنشائية حسب نوع نشاط المنشأة، إلا أنه غير معني بالممارسات الآمنة للعمل.
في الممارسات العالمية، الولايات المتحدة الأمريكية تعمل وفق معايير لكل نوع من أنواع الأنشطة تحت اسم (CFR) والمصنفة لـ 50 عنواناً دليل كل عنوان هو لقطاع مهني ويتم اقتباس أي قانون وفق آلية اقتباس محدده بدقة.
وكل أنواع السلامة الصادرة من الجهات الحكومية مثل إدارة السلامة والصحة المهنية (OSHA) الحكومية المنشأة عام 1970 بموجب قانون السلامة والصحة المهنية (OSH Act) لضمان بيئة عمل آمنة وصحية للموظفين في مختلف الصناعات في أمريكا.
وهناك الجمعية الوطنية للحماية من الحرائق (NFPA) والتي تهدف للقضاء على الوفيات أو الإصابات والخسائر الاقتصادية للممتلكات الناجمة عن الحرائق والكهرباء والمخاطر ذات الصلة، وينتسب لها 50 ألف عضو ومتطوع يعملون مع المنظمة من خلال 250 لجنة فنية. أيضاً في بريطانيا، وبعد أن طالب المواطنون من الشركات والدولة بضرورة حماية صحتهم وسلامتهم، وتحسين ظروف العمل، تأسست هيئة الصحة والسلامة التنفيذية (HSE) عام 1974، للحد من ارتفاع معدلات الإصابات والوفيات في أماكن العمل نتيجة ظروف العمل غير الآمنة، والخالية من معايير سلامة موحدة.
لدينا في المملكة، نظام العمل السعودي يولي أهمية للسلامة والصحة المهنية لضمان بيئة عمل آمنة وصحية للعمال، ويفصّل الباب الثامن من النظام الأحكام المتعلقة بسلامة العمال ووقايتهم ورعايتهم الصحية والاجتماعية، وأبرز ملامح نظام العمل في مجال السلامة والصحة المهنية التزامات صاحب العمل في توفير بيئة عمل آمنة ونظيفة، بما في ذلك الإضاءة والتهوية المناسبة، واتباع قواعد السلامة والصحة المهنية المحددة بقرارات الوزير وفقًا لطبيعة عمل المنشأة ومخاطرها المحتملة، إخطار العمال قبل بدء العمل بالمخاطر المحتملة وتدريبهم على اتباع قواعد السلامة والصحة، عرض إرشادات السلامة في أماكن مرئية للعمال، توفير وصيانة المعدات والآلات اللازمة للعمل بشكل دوري.
كما يشير النظام إلى حقوق وواجبات العامل للالتزام بتعليمات السلامة والصحة المهنية، واستخدام معدات الوقاية الشخصية المقدمة من صاحب العمل، والإبلاغ عن أي مخاطر أو حوادث قد تؤثّر على السلامة والصحة في بيئة العمل، ولكن النظام لم يشر لأية معايير (قوانين أو أنظمة سلامة) تستند عليها تفاصيل الالتزام مما يجعله كلاماً إنشائياً طالما ورد دون معايير وأدلة لقوانين السلامة (Safety الجزيرة Health Codes) مقارنة بالمعايير الدولية ومضاف لها معايير للتدريب عليها، ونماذج إرشادية للكشف عن مخاطر السلامة في كل نوع من المنشآت تصنيفياً.